رسول الله الذاكر الشاكر الصابر.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم أما بعد لقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ذاكرا، فكان أكثر الناس ذكرا لربه، فحياته كلها ذكر لمولاه، فدعوته ذكر وخطبه ذكر ومواعظه ذكر وعبادته ذكر وفتاويه ذكر، وليله ونهاره وسفره وإقامته بل أنفاسه كلها ذكر لمولاه عز وجل، فقلبه معلق بربه، تنام عينه ولا ينام قلبه، بل النظر اليه يذكّر الناس بربهم.
وكل مراسيم حياته ومناسباته وذكر لخالقه جلّ في علاه، وكان صلى الله عليه وسلم يحث الناس على ذكر ربهم فيقول “سبق المفردون الذاكرون الله كثيرا والذاكرات” رواه مسلم، وكما كان يقول صلى الله عليه وسلم ” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحيّ والميت” رواه البخاري ومسلم، وكما كان يقول صلى الله عليه وسلم ” لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله” رواه أحمد، وأخبر أن أفضل الناس أكثرهم ذكرا لربه، وروى عن ربه عز وجل قوله ” أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت شفتاه” رواه البخاري، وكما يقول صلى الله عليه وسلم ” من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم” رواه البخاري ومسلم، وله عليه الصلاة والسلام عشرات الأحاديث الصحيحة التي تحث على الذكر وترغب فيه.
والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والحوقلة والاستغفار والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر الناس بأجر الذكر وما يترتب على ذلك من ثواب، وذكر الأعداد في ذلك مع ذكر المناسبات، وعمل اليوم والليلة، فهو صلى الله عليه وسلم الذاكر الشاكر الصابر، وهو الذي ذكّر الأمة بربها وعلمها تعظيمه وتسبيحه، وبيّن لها فوائد الذكر ومنافعه، فهو أسعد الناس بذكر ربه، وأهنؤهم عيشا بهذه النعمة، وأصلحهم حالا بهذا الفضل، فكان له أوراد من الأذكار مع حضور قلب وخشوع وخضوع وهيبة وخوف ومحبة ورجاء وطمع في فضل ربه، ولقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم داعيا حيث يقول تعالى ” ادعوني أستجب لكم ” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الدعاء هو العبادة” رواه أحمد.
ويقول صلى الله عليه وسلم ” من لم يسأل الله يغضب عليه” رواه البخاري، وكان عليه الصلاة والسلام لاهجا بدعاء ربه في كل حالاته، قد فوّض أمره لمولاه، وأكثر الإلحاح على خالقه يناشده رحمته وعفوه، ويطلب برّه وكرمه، وكان يختار جوامع الدعاء الكامل الشامل كقوله ” اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” رواه البخاري ومسلم، وقوله ” اللهم إني أسألك العفو والعافية” رواه أحمد، وكان يكرر الدعاء ثلاثا، ويبدأ بالثناء على ربه، وكان يستقبل القبلة عند دعائه، وربما توضأ قبل الدعاء، وكان يعلم الأمة أدب الدعاء، كالبداية بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، ودعاء الله بأسمائه الحسنى، والإلحاح في الدعاء، وتوخّي أوقات الإجابة كأدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة.
وآخر ساعة من يوم الجمعة، ويوم عرفة، وفي حالة السجود والصوم والسفر، ودعوة الوالد لولده، وكان عليه الصلاة والسلام وقت الأزمات يلحّ على ربه ويناشده، ويكرر السؤال مع تمام الذلّ والخوف والحب وحسن الظن، وتمام الرجاء، كما فعل يوم بدر ويوم الخندق ويوم عرفة، وكان الله يجيب دعوته ويلبّي طلبه، كما حصل له على المنبر يوم إستسقى فنزل الغيث مباشرة، ويوم شق له القمر، وبارك له في الطعام والمال، ونصره في حروبه ورفع دينه وأيّد حزبه وخذل أعداءه، وكبت خصومه، حتى حقق الله تعالي له مقاصده وأكرم مثواه وجعل له العاقبة صلى الله عليه وسلم.