الأخلاق أم القانون

الأخلاق أم القانون، أيهما يسبق الآخر أو يكون دون الآخر ، الحقيقة استوقفني الأمر متأملا هل القانون المنظم للأفراد والمجتمع حقق مبتغاه من ردع بنوعيه الخاص والعام وباتت الجريمة منعدمة، ام أن القانون أصبح غير كافيا لمواجهة الجريمة ونحتاج إلى ما يفوق القانون؟؟؟ وماذا بعد القانون الذي يتم تعديله لمواكبة التغييرات والتطورات والحداثة؟؟؟! لمواجهة الجريمة الإلكترونية والجرائم الاقتصادية في هذا العصر الذي نعيشه بالفعل في ظل السوشيال ميديا، ولا تزال الجريمة منتشرة بل في ازدياد يومي ولا تتوقف بل بات الحال نسمع عن جرائم لم تكن سابق عهد على مسامعنا في الماضي، وهذا لأن العالم أصبح مرئيا لبعضه البعض وأصبحت المكالمات والرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي مدونة خلال أجهزة إلكترونية متحكمة في سرعة وزيادة النشر وسهولة الوصول داخل حجرات النوم بل التصنت على أدق تفاصيل حياتنا، وأصبح الأمر ميسورا للتواصل والخروج بسلوكيتنا عن المألوف.
الحقيقة من وجهة نظري المتواضعة القانون وحده لا يكفي لمواجهة الجريمة مهما كانت النصوص وحزمها وصرامتها لأن المجتمع دون اخلاق أو إنسانية وقيم ومبادئ تغرز فيه ويربى عليها لأصبح مجتمع غابيا لا تحكمه قوانين ولا تسيطر عليه إلا قوانين الغابات التي تبني على القوة ولا حماية للضعيف بينها.
فالأخلاق تتأمل في قوانين السلوك الإنساني عبر الغور في أعماق هذا الكائن البشري ابتغاء الكشف عن نواياه، وأسراره، وتوجيهه صوب الالتزام بالفضيلة والابتعاد عن الرذيلة، وبما للعلم من أهمية في رقي الإنسان، لكن تتسم الأخلاق بأنها أكثر أهمية؛ لأنها تتصل بالناحية الروحية، فلا ينتظر من كل إنسان أن يكون عالماً بالقانون، ولكن ينتظر منه أن يدرك معنى الواجب، وأن يهدف إلى اعتماد المبادئ الخلقية في منهجه.
فقد تباينت الآراء في أصل القيم الأخلاقية بين الفلاسفة عبر العصور، منهم من رجّح العقل كأساس في التمييز بين الخير والشر، وردّها آخرون إلى عادات وقيم وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه الفرد ويلتزم بواجباته تجاهه؛ من ناحية أخرى هناك الشرع والدين كمعيارٍ في الحكم على الأفعال من خيرٍ أو شر، وتوجيه سلوكيات الفرد لما هو صائب عن طريق إلتزامه بالأحكام الشرعية.
لذالك فإن القانون في حد ذاته وإن كان عصا الزجر والعقاب عند مخالفة قواعده القانونية لإستتباب الأمن والأمان والاستقرار، لكن لا غنى لأي مجتمع راقي ومتحضر من المجتمعات عن القانون والأخلاق معاً.
وخير دليل على أن الأخلاق تسبق القانون وتسبق أي قواعد وضعية ما ورد في القرآن الكريم مسطورا إذ يقول الله عز وجل لحبيبه المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بسم الله ” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” وإذ يقول رب العزة سبحانه وتعالى بسم الله” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” صدق الله العظيم.
فالقرآن قد حض على الرحمة واللين والعفو والمغفره والشورى كلها أمور تحت مسمى الاخلاق لكونها أعلى مرتبة وهي منتهى الإنسانية.
وعليه يجب زرع القيم والمبادئ والاخلاق في المجتمع قبل سن القوانين والتشريعات.
هذا جزء من كل عن الأخلاق أم القانون حتى لا يمل القارئ من إطالة المقال .
تحياتي بقلم الدكتور محمد عويان المحامي.