البرلمان الألماني يصفع اليمين المتطرف برفض قانون الهجرة

رفض البرلمان الألماني (البوندستاج) مشروع قانون مثير للجدل؛ لتشديد قيود الهجرة قدمه فريدريش ميرز، المرشح الأوفر حظًا لمنصب المستشار المقبل. بأغلبية 350 صوتًا مقابل 338 صوتًا، من إجمالي 693 نائبًا شاركوا في عملية التصويت، مع تسجيل خمسة امتناعات.
و يحظى القانون المثير للجدل بدعم غير مسبوق من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المُتطرف.
أجواء متوترة بـ”البوندستاج”
شهد البرلمان الألماني أجواءً متوترة خلال مناقشة ما أطلق عليه “قانون الحد من التدفق”، حيث امتلأت القاعة العامة بشكل استثنائي نظرًا للأهمية التاريخية للحدث.
وذكرت الجارديان البريطانية، أن بعض النواب غادروا أسرّة مرضهم للمشاركة في التصويت، في دلالة على خطورة اللحظة السياسية.
وسبق التصويت النهائي حدث غير مسبوق في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، حيث تم تمرير مذكرة غير ملزمة يوم الأربعاء الماضي بأغلبية برلمانية تحققت للمرة الأولى بمساعدة اليمين المتطرف، مما أثار موجة احتجاجات عارمة باعتباره خرقًا للحاجز التقليدي الذي يفصل بين القوى المتطرفة والأحزاب الرئيسية.
تداعيات المشهد السياسي
أحدث التصويت زلزالًا سياسيًا في الساحة الألمانية، حيث ظهرت انقسامات عميقة داخل الأحزاب التقليدية. وكشفت الجارديان عن تمرد داخل تحالف الاتحاد المسيحي الديمقراطي/الاتحاد المسيحي الاجتماعي الذي يقوده ميرز نفسه، إذ رفض بعض نوابه الانصياع لموقف قيادتهم.
كما برز انقسام في صفوف الحزب الديمقراطي الحر المؤيد للأعمال، حيث فضل بعض أعضائه، الذين كانوا قد صوتوا لصالح المذكرة الأصلية، إعادة القانون إلى اللجان الداخلية لمزيد من النقاش والدراسة.
وفي تطور كبير، شهدت الأزمة ردود فعل قوية من شخصيات بارزة في المجتمع الألماني، إذ قرر الناجي من المحرقة ألبريخت فاينبرج، البالغ من العمر 99 عامًا، إعادة وسام الاستحقاق الألماني احتجاجًا على تصويت الأربعاء.
كما قدم ميشيل فريدمان، الكاتب الألماني-الفرنسي البارز والرئيس السابق للمجلس المركزي لليهود في ألمانيا، استقالته من عضوية الحزب المسيحي الديمقراطي.
تحذيرات من التاريخ
أثار المشهد السياسي المتأزم مخاوف عميقة من تكرار سيناريو جمهورية فايمار التي مهدت لصعود النازية.
وفي هذا السياق، وجه رولف موتزينيش، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، تحذيرًا قويًا قائلًا: “فشلت فايمار بسبب غياب الوحدة في الديمقراطية، ولكنها فشلت أيضًا لأن العقلية السلطوية لم تختف تمامًا.”
وحث موتزينيش ميرتس على التراجع عن قراره و”إعادة بناء جدار الحماية” ضد التعاون مع حزب البديل، محذرًا إياه من أن “سقوطك سيلاحقك دائمًا.”
وفي مواجهة غير متوقعة مع المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، التي انتقدت تحوله عن رفضه السابق للتعاون مع حزب البديل، رد ميرز بشكل حاد، محملًا حزبه “حصة كبيرة من المسؤولية” عن وجود حزب البديل في البوندستاج منذ عام 2017، في إشارة إلى سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها ميركل والتي أدت إلى دخول ما يقرب من مليون شخص إلى ألمانيا في عام 2015.
تأثيرات سياسية وشعبية
كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة عن انقسام حاد في المجتمع الألماني حول قضية الهجرة، إذ أظهرت أن ما بين 66% و67% من الألمان يؤيدون فرض رقابة دائمة على الحدود.
وفي أول استطلاع بعد تصويت الأربعاء، حافظ حزب البديل على مركزه الثاني بنسبة 22%، بينما تراجع تحالف ميرز بنقطة مئوية واحدة إلى 29%، وارتفعت شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة أولاف شولتس بمقدار 1.5 نقطة مئوية ليصل إلى 17%، مسجلًا أفضل أداء له منذ نهاية ديسمبر.
وفي ردة فعل شعبية قوية، اجتاحت المدن الألمانية موجة احتجاجات على التحول المحتمل للبرلمان نحو اليمين.
وتجلى ذلك بشكل رمزي في برلين، إذ تجمع شباب عند بوابة براندنبورج، حاملين حروفًا مضيئة تشكل شعار “الأمل والمقاومة”.
وفي مشهد معبر، تم شطب كلمة “براندماور” (جدار الحماية) على لافتة تحمل اسم الحزب المسيحي الديمقراطي واستبدالها بكلمة “براندشتيفتر” (المحرض).
مستقبل غامض
دافع ميرز عن مشروع القانون باعتباره ضروريًا للأمن الداخلي الألماني، مستشهدًا بسلسلة من جرائم القتل البارزة التي ارتكبها أشخاص من خلفية مهاجرة.
إلا أن المستشار أولاف شولتس رد بأن القوانين الحالية كافية لمنع مثل هذه الهجمات إذا تم تنفيذها بشكل صحيح.
من جانبها، ناشدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من حزب الخضر ميرز تغيير موقفه وسحب مشروع القانون، مؤكدة أن “الأمر لا يتعلق بك شخصيًا، بل بألمانيا.”
وأشارت الجارديان إلى أن هذه الأزمة السياسية العميقة تكشف عن التحديات الجوهرية التي تواجه ألمانيا في التعامل مع قضايا الهجرة والأمن القومي، وسط مخاوف مُتزايدة من تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 23 فبراير.