الأبوة حصنا و حضنا .. الكاتبة/ الزهرة العناق

 

الأبوة ليست مجرد رابطة بيولوجية، بل ميثاق وجداني يتجذر في أعماق النفس، حيث تتجلى أسمى صور الاحتواء و الاحتضان.

من العجب أن تجد بعض الآباء يحفظون عن أبنائهم عثراتهم و أخطائهم أكثر مما يدركون مكامن تميزهم و تفردهم. فهل الأب سورا حديديا يعترض طريق ابنه، أم حصنا يحميه، ويدا تنتشله من العثرات؟

الطفل كزهرة برية نبتت في حقل الحياة، قد تتمايلها الرياح، لكنها تظل بحاجة إلى جذور تغذيها وتربة تمنحها الطمأنينة. وإن لم يجد الطفل من والديه عينا تراه بغير ميزان النقص، فمن ذا الذي سيكتشف مكامن الإبداع فيه؟

أخطاء الأبناء ما هي إلا ظلال تعلمهم أين يقفون في ضوء الحياة، فإن جعلنا تلك الظلال حجابا يحجب نورهم، أفقدناهم الثقة بأنفسهم وجعلناهم أسرى الشعور بالنقص والخيبة.

تأمل صغيرك حين يحدثك بلهفة، كيف تنبعث في صوته رعشة الترقب لردك، وكيف تستوطن عيناه مسحة الأمل في إشادة أو نظرة فخر. لا تطفئ هذا الأمل بسياط الانتقاد ولا تحصره في قوالب التوقعات الجامدة، فكل طفل نسيج متفرد، يختزن داخله شيفرة تميزه، تحتاج منك أن تفك طلاسمها بحكمة وحنان.

كن لابنك الحصن الذي يلجأ إليه حين تهب عليه عواصف الحياة، ولا تكن السور الذي يمنعه من الطيران. احتضن قلبه قبل أن تعلمه دروس الحياة، و كن له الأذن الصاغية، قبل أن تمطره بالمواعظ.

إن لم يجد فيك حضنا، أين سيجد الأمان؟ وإن لم تلاتحظ فيه إلا العيوب، فمن سيشعل فيه وهج الثقة والمسؤولية؟

الأبوة مسؤولية لا تختزل في تأمين القوت و المأوى، بل هي هندسة روحية تشيد بها بنيان شخصية متماسكة، تعي قيمتها في هذا العالم.فكن لابنك منارة لا سياجا، و احتضنه بعيون ترى فيه كل جميل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى