الشهر الذي فيه ترفع الأعمال إلي الله.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، لقد كان الصالحون يتحسرون عند الممات على فراق الأعمال الصالحات، ويودون لو طالت بهم الحياة للتزود في رفع الدرجات وتكثير الحسنات، فقيل أنه احتضر عبد الرحمن بن الأسود فبكى، فقيل له ما يبكيك وأنت أنت، ويعني في العبادة والخشوع والزهد والخضوع، فقال أبكي والله أسفا على الصلاة والصوم، ثمّ لم يزل يتلو حتى مات، أما يزيد الرقاشي فإنه لما نزل به الموت أخذ يبكي ويقول من يصلي لك يا يزيد إذا متّ ؟ ومن يصوم لك ؟ ومن يستغفر لك من الذنوب، ثم تشهد ومات. 

فهذه مشاهد الاحتضار لأرباب التعبدّ والأسرار، فلوا رأيتهم تجافوا عن دفء فرشهم في الأسحار، يخافون يوما تنقلب فيه القلوب والأبصار، فدفنوا تحت الثرى وقد أرضوا من يعلم السرّ وأخفى، فهذا هو احتضار المؤمنين وما عند الله خير وأبقى، فهذا هو شهر شعبان نعيش في أيامه وليالية، وهو الشهر الذي فيه ترفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى، ففي هذا الشهر يتكرّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة وهي منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية ، فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام ، فبما سيختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ 

فهي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل ” إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ” فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة فراجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال، فالناظر إلى حال الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله ” وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائما. 

وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم، وهو أن تستحي من نظر الله تعالي إليك، وتستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف “إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلها تليق به صلاتك” وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله تعالي والخشية منه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى