جيل في مهب العاصفة الرقمية.. الكاتبة: الزهرة العناق

 

إن المدى الإلكتروني الممتد كسراب يلوح في أفق الأذهان قد أضحى حاضنة لفكر مشوش، يتربص بالمبادئ الأصيلة و يتسلل إلى صميم القيم كعاصفة تتخلل الجدران القديمة لصرح الأخلاق.

جيل بين زيف الحداثة واغتيال القيم.

هل نحن أمام جيل يعاد تشكيله ليكون مشروعا ممنهجا لمحو الركائز التي قامت عليها الحضارات؟

لقد غدت الشبكات الافتراضية مشاعا لا يعترف بقيود ولا يحفل بثوابت، إذ تذوب فيها الحدود بين الفضيلة والانحلال، ويعاد تدوير المفاهيم وفق معايير السوق الرقمي الذي يتاجر بالعقول قبل السلع.

المبادئ لم تعد نتاج وعي ناضج، بل باتت وليدة رنات عابرة، تصاغ بسطحية لا تترك مجالا للتأمل العميق. ومن هنا، تتجلى كارثية التحول: فقد تبدل اليقين بالتشكيك، وانحدر الإيثار إلى مستنقع الأنا الرقمية التي لا ترى سوى انعكاسها على شاشات بلا روح.

التطور التكنولوجي ليس في حد ذاته مذموما، غير أن الإشكال يكمن في طغيانه على ميدان التربية والتوجيه، حيث بات يصاغ وعي الأجيال في مصانع خوارزميات لا تراعي الأخلاق، بل تقيس نجاحها بمدى الاستجابة العاطفية الفورية.

إن هذه الثورة الرقمية لم تحضر معها حكمة الانتقاء، بل غزت العقول كالسيل العرم، تلقي بصاحبها في دوامة التخبط و التهجين الثقافي الذي يفرغ القيم من مضمونها، فتصبح شعارات جوفاء يتداولها البعض بلا إدراك حقيقي لمعانيها.

إن أخطر ما يواجهه هذا الجيل ليس اندثار القيم فحسب، بل إعادة تشكيلها بما يتناسب مع أجندات لا ترى في الإنسان سوى مستهلك و مقلد، يعاد ضبط رؤاه ليتماهى مع نمط عالمي ينتج القطيع الفكري ذاته. وهنا تكمن الخدعة الكبرى: يخيل للشباب أنهم مستقلون في آرائهم، في حين أنهم أسرى دوائر محكمة الإغلاق، تحدد لهم ما يعجبهم، و توجه سخطهم، و تملي عليهم أولوياتهم.

فهل نستسلم لهذا المد الجارف؟ أم نعيد صياغة معركة الوعي، متشبتين بحبل الحكمة، مدركين أن القيم ليست مجرد أنظمة اجتماعية، بل هي روح الهوية، وبوصلتنا في وجه الضياع؟ قد يكون هذا الجيل في عين العاصفة، لكنه لم يفقد بعد القدرة على أن يمسك بزمام ذاته، شريطة أن يوقظ في داخله حس النقد العاقل، والتمييز الحصيف بين السراب والحقيقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى