شهر المنحة الربانية من الله تعالي.. الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد إن الموت لا يفرق بين كبير وصغير ولا غني وفقير ولا عبد وأمير، فهذا هو الخليفة هارون الرشيد، ذاك الذي ملك الأرض وملأها جنودا، ذاك الذي كان يرفع رأسه فيقول للسحابة أمطري في الهند أو في الصين أو حيث شئت، فوالله ما تمطرين في أرض إلا وهي تحت ملكي، فقيل أن هارون الرشيد خرج يوما في رحلة صيد فمرّ برجل يقال له بُهلول، فقال هارون عظني يا بُهلول، قال يا أمير المؤمنين أين آباؤك وأجدادك ؟ من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيك؟ قال هارون ماتوا، قال فأين قصورهم؟ قال تلك قصورهم.

قال وأين قبورهم ؟ قال هذه قبورهم، فقال بهلول تلك قصورهم وهذه قبورهم فما نفعتهم قصورهم في قبورهم ؟ قال صدقت، زدني يا بهلول، قال أما قصورك في الدنيا فواسعة، فليت قبرك بعد الموت يتسع، فبكى هارون الرشيد وقال زدني، فقال يا أمير المؤمنين هب أنك ملكت كنوز كسرى وعُمرت السنين فكان ماذا ؟ أليس القبر غاية كل حي؟ وتسأل بعده عن كل هذا ؟ قال بلى، ثم رجع هارون وإنطرح على فراشه مريضا ولم تمضي عليه أيام حتى نزل به الموت، فلما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقواده وحجابه اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم، بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا الله تعالي، فكلهم تحت قيادته وأمره، فلما رآهم بكى، ثم قال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم لم يزل يبكي حتى مات، فلما مات أخذ هذا الخليفة.

الذي ملك الدنيا وأودع حفرة ضيقة، لم يصاحبه فيها وزراؤه ولم يساكنه ندماؤه، فلم يدفنوا معه طعاما ولم يفرشوا له فراشا، فما أغنى عنه ملكه وماله، سل الخليفة إذ وافت منيته أين الجنود أين الخيل والخول؟ وأين الكنوز التي كانت مفاتحها تنوء بالعصبة المقوين لو حملو؟ أين الجيوش التي أرصدتها عددا؟ وأين الحديد وأين البيض والأسل؟ لا تنكرن فما دامت على أحد، إلا أناخ عليه الموت والوجل، واعلموا يرحمكم الله إن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله تعالي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لله في أيام دهركم أياما وأشهرا يتفضّل بها الله تعالي عباده بالطاعات والقربات، ويتكرّم بها على عباده بما يعدّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هدية من رب العالمين إلى عباده الصالحين، ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله

“يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” وهي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله تعالي ودينه ودعوته وجماعته وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى ” ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم” وقال بعض السلف أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرأ على الله بإرتكاب معاصيه.

فهل فرصة لكل مسلم قد وقع في خطأ ” كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين ” فهي فرصة إذن لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع الله تعالي تكون ممحوة من الذنوب وناصعة البياض بالطاعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى