لذة الشهادة في سبيل الله .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله، لا مانع لما أعطاه ولا رادّ لما قضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله ومصطفاه صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فسبحانه وتعالي القائل ” فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ” ثم أما بعد إن من الأسباب التي تضر الميت في قبره ما عليه من ديون، فعن سعد بن الأطول رضي الله عنه أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالا، قال فأردت أن أنفقها على عياله أي ولا أقضي الدين، قال فقال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم إن أخاك محبوس بدينه فاذهب فاقض عنه، فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت، قلت يا رسول الله قد قضيت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة، وليست لها بينه، قال أعطها فإنها محقة، وفي رواية صادقة ” رواه ابن ماجه.
وعن سمره بن جندب رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال ” أها هنا من بني فلان أحد؟ ثلاثا، فقام رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” ما منعك في المرتين الأوليين، أن لا تكون أجبتني، أما إني لم أنوه بك إلا بخير، إن فلانا لرجل منهم مات مأسورا بدينه “رواه النسائي، واعلموا يرحمكم الله إن لذة الشهادة في سبيل الله لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، وهي الصفقة الرابحة بين العبد وربه؛ فقال الله تعالى ” إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ” فتأملوا هذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقة عظيمة، فيقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالي “المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله خلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم.
ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضا وثمنا ألا وهو الجنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” فإذا كان الثمن الجنة، فإنه لا يجتهد في هذه الصفقة أو أن يكون ممن يبتاعها إلا واحد ممن عرف الثمن والعوض والمعوض، فهذا فضل من الله تعالي، والله دعانا أن نستبشر بقوله تعالي ” فاستبشروا ببيعكم ” أي اضمنوا أنها صفقة رابحة لا تندم بعدها، فلو أن أحدا اشترى بضاعة أو عقارا أو دارا ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غبن في هذه الصفقة؟ وهل إشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحة رابحة، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة، فهذا حنظلة تزوج حديثا وقد جامع امرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنب.
ليسقط شهيدا في سبيل الله، ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة، وإذا كان الله أنعم عليك بالصحة فهذا مثال لصحابي أعرج رخص له في عدم الخروج ومع ذلك خرج لطلب الشهادة، ألا وهو عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان شيخا من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قال لبنيه أخرجوني، أي للقتال فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عرجه، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال قلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد فقال لبنيه أخرجوني فقالوا له قد رخص لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج للقتال فقال لهم هيهات هيهات منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد فأبى إلا الخروج للقتال، فأخرجه أبناؤه معهم.