عطاء المشاعر تتوارثها الأجيال : الأب الروحي ومُلهمة القلوب

رانيا عبد الحسيب
حبيت أصحبكم معي في رحلة مُلهمة، رحلة تحمل بين طياتها معاني العطاء والإنسانية رحلة ليست مجرد قصة نجاح ، بل رسالة تنبض بالقيم والمبادئ التي نشأنا عليها والتي علينا أن ننقلها لأبنائنا وأحفادنا، فهي ليست مجرد نماذج مُلهمة، بل إرثٌ خالدٌ يمتد عبرُ الأجيال.
طبعاً البعض من حضراتكم قد تتساءلون: لماذا اخترت لهذا المقال عنوان عطاء المشاعر “؟ سؤال جميل! لأنني أؤمن بأن القيم تتناقلها الأجيال بين بعضها وأريد أن أعيدكم معي إلى الماضي تقريباً منذ سبع سنوات ، حين كنت طالبة في قسم الإعلام شغوفة بالقراءة ، أتنقلُ بين رفوف مكتبة الكلية، وأغوصُ في عوالم الكتب وكان من بينها كُتب الأب الروحي، التي كنت أجدُ فيها فكراً عميقاً، وفلسفة راقية، ووجدتني أدعو الله أن يجمعني يوماً بمن كتبها؛ بل وبأمثاله من العظماء الذين سطّروا المعرفة بأقلامهم النابضة بالحكمة.
الأب الروحي ليس فقط كعالم وأستاذ جامعي مرموق ؛بل كإنسان يحمل قلب أبٍ حنون يخاف على طلابه وكأنهم أبناؤه، يفتح لهم بابه يرعاهم، يوجّههم، ويمدّهم بالإيثار في دروبهم العلمية والمهنية
إنه الأستاذ الدكتور حسن عماد مكاوي اسمٌ ربما سمع عنه البعض وربما لا، لكنني هنا دوري لأحدثكم عن إنجازاته، عن إنسانيته، عن تأثيره العميق في حياة من حوله.
ولكن في سؤال خطر ببالي وحبيت أساله مع حضراتكم لماذا لُقّب دكتور حسن بالأب الروحي؟
بالأمس كنت أتصفحُ علي الفيسبوك، لفت انتباهي منشوراً لمُلهمة القلوب كتبت كلمات أثارت في نفسي الكثير من التأمل وهي تقول: أقرب ندوة للقلب مع أستاذي الغالي والأب الروحي أستاذ الدكتور حسن عماد ، طبعاً بالنسبة لي هذه الكلمات ترددت في ذهني كثيرًا فهي حقيقة لا يمكن تجاهلها هذه ليست مجرد ندوة ؛بل هي صورة حية لمعنى الإحسان الحقيقي في هذه الدنيا لمعنى أن يكون هناك أستاذٌ صادقٌ في حياة طلابه، يرى نجاحهم امتدادًا لرسالته، ويفخر بهم كأنهم جزءٌ من روحه.
هذا اللقب ” الأب الروحي ” جاء من قلب تلميذة تعلمت منه الأخلاق قبل العلم، تعلمت منه العطاء قبل النجاح، أدركت أن القيم أهم من أي شهادة أكاديمية، فالعلم بلا أخلاق لا يُثمر، ولا يُبنى على أي أساس ،كانت هذه التلميذة تُرى فيه القدوة، واستقت منه الحكمة
تخيلوا! تلك التلميذة المُلهمة أصبحت اليوم إعلامية بارزة وأكاديمية ناجحة،تروي عنه بفخر وتُطلق عليه بلقب الأب الروحي تجلس إلى جواره على منصة واحدة في داخل معرض الكتاب
إنها الإعلامية الدكتورة هبة حمزة من وجهة نظري المتواضع أطلقتُ عليها بلقب “مُلهمة القلوب”، لأنها ألهمت الكثيرين بمسيرتها وتفانيها في عملها.
بصراحة من هُنا أدركتُ أن النجاح ليس مجرد منصبٍ رفيع، بل هو التأثير الذي يتركه الإنسان في حياة الآخرين كما أثّر الأب الروحي الدكتور حسن عماد مكاوي في حياة تلميذته مُلهمة القلوب الإعلامية الدكتورة هبة ، أثرت هي أيضاً بدورها في الكثيرين، وها أنا اليوم أكتب عنهما لأروي لحضراتكم عطاء المشاعر الذي امتد عبرُ الأجيال
نعم أعزائي القراء نحن نعلمُ جميعاً أن العطاء له أشكال عديدة؛ هناك العطاء المادي المعنوي والنفسي، المباشر وغير المباشر ،لكنني أؤمن بأن أعظم وأرقي أنواع العطاء هو ذلك الذي يلامس القلوب وهي عطاء المشاعر
قدّ سبق وكتبت عن مُلهمة القلوب الإعلامية الدكتورة هبة حمزة من قبل ، ولكن حبيت أن أضيف شيئاً في حقهما فالعلاقة بين الدكتورة هبة حمزة وأستاذها الدكتور حسن عماد مكاوي ليست مجرد علاقة أكاديمية، بل هي نموذج يُجسّد كيف يكون الأستاذ مُلهمًا، والتلميذ وفيًا، وكيف تنتقل القيم العلمية والإنسانية من جيل إلى آخر
إنها علاقة تُعلمنا أن النجاح الحقيقي لا يُبنى فقط على المعرفة، بل على الاحترام والإخلاص، وحب العلم، وهي القيم التي نتمنى أن تبقى حاضرة في كل علاقة بين الأستاذ وتلميذه
لمن لا يعرف مُلهمة القلوب الدكتورة هبة حمزة، فهي واحدة من الأسماء البارزة في مجال الإعلام، حيث نجحت في الجمع بين الجانب الأكاديمي والمهني بتميز ، حين بدأت مسيرتها الإعلامية في التلفزيون المصري، حيث تألقت في تقديم البرامج التعليمية، وهو المجال الذي برعت فيه بفضل أسلوبها الدقيق وقُدرتها الفريدة على التواصل مع الجمهور.
حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، مما منحها خلفية أكاديمية صلبة انعكست على أدائها الإعلامي حتي استطاعت من خلال خبراتها أن تقدم محتوى تعليميًا وثقافيًا راقيًا، ما جعلها نموذجًا مشرفًا للإعلامية الواعية ذات الرسالة الصادقة.
حاليًا تقدم الدكتورة هبة حمزة برامج ثقافية على قناة نايل فاميلي، وسأتناول مسيرتها المميزة بتفصيل أدق في مقال آخر، فهي إعلامية تستحق الإشادة والحديث عنها بإسهاب.
أما عن الأب الروحي، فهو بحق يستحق هذا اللقب، ليس فقط لمكانته الأكاديمية، بل لما يحمله من قيم إنسانية جعلته أكثر من مجرد عالم في مجال الإعلام
الدكتور حسن عماد مكاوي هو أحد أبرز أساتذة الإعلام في مصر، وكان عميدًا سابقًا لكلية الإعلام بجامعة القاهرة فهو يُعد من الشخصيات الأكاديمية المؤثرة في مجال الصحافة والإعلام، حيث أثرى المكتبة الإعلامية بالعديد من الكُتب والأبحاث والدراسات التي تناولت مختلف قضايا الإعلام والصحافة.
كما لعب دورًا محوريًا في تطوير المناهج الدراسية بكليات الإعلام، وساهم في العديد من البرامج والندوات لمناقشة تحديات المهنة في العصر الرقمي، مؤكدًا دائمًا على أن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل هو رسالة ومسؤولية.
لكن الأثر الحقيقي للدكتور مكاوي لم يكن يقتصر على المجال الأكاديمي، بل امتد إلى نفوس طلابه وزملائه، حيث عُرف بتواضعه الجمّ، وسعة صدره، ورقي تعامله مع الجميع حتي كان قريبًا من طلابه، يستمع إليهم ويوجههم بروح الأب قبل أن يكون أستاذًا جامعيًا، مؤمنًا بأن العلم لا يكتمل إلا بالأخلاق، وأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالدرجات العلمية فقط، بل بالأخلاق الحميدة التي يحملها الإنسان معه في رحلته المهنية.
دائمًا وأبداً داعمًا للموهوبين، مشجعًا لكل من يسعى للنجاح، واقفًا بجانب طلابه في أصعب اللحظات
لم يكن مجرد مُعلم، بل كان مرشدًا يقدم النصيحة الصادقة، ويساعد كل من يحتاج إلى دعمه دون تردد
في مايو 2024، حُصل الدكتور حسن عماد مكاوي على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، تقديرًا لإسهاماته العلمية والأكاديمية المتميزة في مجال الإعلام ، ورغم هذا التكريم الرفيع لا يزال مستمرًا في مسيرته الأكاديمية، حيث يشارك في المؤتمرات يُشرف على الأبحاث العلمية، ويقدم محاضرات تُثري مجال الإعلام وتعزز معرفة الأجيال الجديدة من الإعلاميين.
كما يحرص الدكتور مكاوي على التفاعل مع قضايا الإعلام المعاصرة من خلال مشاركته في الحوارات الإعلامية، حيث ناقش في مقابلة مع برنامج “الشاهد” تأثير ثقافة الكم على جودة الدراسة في مجال الإعلام، وهو ما يعكس رؤيته العميقة وحرصه الدائم على تطوير المجال.
وكان آخر إنجازاته هذا العام صدور قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي بتعيينه رئيسًا للجنة قطاع الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات، وهو اختيار مستحق لرائد أكاديمي له بصماته الواضحة في تطوير التعليم الإعلامي في مصر
إن هذا المنصب يزداد تشريفًا بوجود اسمه بين قياداته، ليواصل مسيرته في خدمة البحث العلمي وتطوير مناهج الإعلام بما يواكب التغيرات المتسارعة في هذا المجال.
طبعا البعض قد يظن أنني أكتب هذه الكلمات بدافع المجاملة، وأنني فقط أمدحه لأنه أستاذي الذي علمني،ولكنني أقول لهم لا وألف لا.. إن ما أكتبه ليس مجرد كلمات بل هو انعكاس حقيقي لمشاعر عميقة تجاه إنسان ترك بصمة حنينة واضحة في قلبي ؛ فالمشاعر يا سادة لا يمكن أن تُختصر في كتابة مقال، وإنما هي تجارب إنسانية نمرّ بها ونعيش معها لأن ببساطة من يعرف حقيقة العلاقة بين الطالب وأستاذه، يعرف أن كل كلمة نكتبها تخرج من قلب صادق، وحب حقيقي ؛فمن لم يعش تجربة أستاذ يعاملك بصدق، واخلاص وبحنان، وبإيمان حقيقي بقدراتك ، لا يُدرك ماذا يعني أن تكتب عن شخص لا تراه مجرد مصدر للعلم، بل أباً روحياً صاحب تأثير صادق
وفّي نهاية المقال عزيزي القارئ إذا كنت تقرأ هذا المقال لوحدك، فاحكِها لأبنائك وأحفادك، ياريت أن تنقل لهم تلك القيم النبيلة، وازرع فيهم معنى العطاء والإيثار الحقيقي لأن ببساطة من أهم مسؤوليات الأسرة في تربية الأبناء هي احترام الآخرين بمختلف أعمارهم وأدوارهم في حياتنا اليومية، وكذلك بناء ثقافة التعاطف مع الآخر وتقبل الاختلاف والتنوع حولنا ،فكيف إن كان هذا الآخر هو المعلم! أو الدكتور الجامعي أي كان من هو فاحترام المعلمين وتقدير أدوارهم في الحياة هو جزء أصيل يدل على حسن التربية ورقي الأخلاق، مهما اختلفنا مع الأسلوب والثقافة الخاصة بهذا المعلم يجب علينا تذكر أنها مهنة الأنبياء وأن الله سبحانه وتعالى وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير.