الأعمي الحقيقي.. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين الذي أنزل شريعة الإسلام هدى للناس ورحمة للعالمين، وجعلها لنا صراطا مستقيما يهدي بنا إلى سعادة الدارين، والشكر له أن هدانا إلى الإسلام، وفضلنا على العالمين أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله إمام الخاشعين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبون الطاهرون، الحافظين لحدودك يا ربنا والخاشعين لك، وبعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله في أنفسكم، وفي صلواتكم لتفلحوا في دنياكم، ثم أما بعد إن شهر شعبان هو شهر السقي وشهر التعهد وشهر التفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده، فيقول أبو بكر البلخي شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا مثل شهر رجب كالريح. 

ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المضمار واضحا وقال سلمة بن كهيل كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده حتى لا يصابَ بالجفاف، وإن شهر شعبان هو شهر إستغلال الفرص الثمينة وهو شهر تمهيدي للدخول في شهر رمضان المبارك وهو شهر شريف ومبارك، وإنما سمي شعبان لتشعب الخيرات فيه كما قيل، والمؤمن الفطن له أساليب مختلفة ومتعددة في التعامل السليم مع شهر شعبان الفضيل، فتارة يصوم، وتارة يصلي. 

وتارة يدعو، وتارة يقرأ القرآن، وتارة يتصدق، وتارة يسبح ويستغفر، وتارة يصل رحمه، حاذق، ذكي، فطن، لبيب لايفوت عمل خير ابدا يتصيد طرق الخير، ويجني الحسنات، ويرفع نفسه درجات ودرجات، وينظر ببصيرة قلبه وفؤاده لا ببصيرة عينيه لانه يقرأ قول الله تعالي ” أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ” ولهذا ليس الأعمى أعمى البصر وليس الاعمى من فقد نعمة النظر فلا يرى شيئا ولا ينظر الى شيء إنما الأعمى الحقيقي هو ذاك الذي أنعم الله تعالي عليه بإدراك موسم خير لمضاعفة حسناته ورفع درجاته وتطهير قلبه فيتقاعس ويتكاسل ويتغافل ويتهاون ويقصر، والأعمى الحقيقي من يعرف عن احباب واخوان وآخرين تحت أطباق الثرى.

لو قيل لهم تمنو لتمنوا ركعة يركعوها لله وسجدة يسجدوها لله لتمنو تسبيحة واستغفاره وتلاوه وصدقه لكنه مع ذلك يصر على المضي في طريق غفلته وضياعه وخسارته وحرمانه وهلاكه، والأعمى الحقيقي هو ذاك الذي أعطاه الله وفتح عليه من خزائن رزقه ومع ذلك يغمض عينيه بشكل مستمر ومتواصل عن أرملة أوجع رأسها حمل ثقيل وثكلى اكل فؤادها همّ طويل، والأعمى الحقيقي هو من يكون في صف المصلين الأول ولكنه يغيب عن صفوف الجياع والمحتاجين والبائسين والمعدمين والمحرومين والأعمى الحقيقي من صام عن الطعام ولم يصم عن الحرام، والأعمى الحقيقي هو من رفع الأذان ولم يرفع أبويه ويعطى حقهما من البر والصلة والإحسان، والأعمى الحقيقي هو من يصلى ويصوم ثم يغش في بيعه وشرائه.

والأعمى الحقيقي هو من يبصر بدرجة سته على سته من قوة الإبصار ودقة الإبصار لكنه يرى في صورة خليعه أو مجلة رقيعه أو شهوة محرمه ومارأى في ملكوت؟ وما تدبر في خلق الله؟ وما تأمل في بديع صنع الله ورأى شيئا من البناء والبنيان فتعجب لكنه لم يتعجب من سماء رفعها الله بغير عمد، ولم يتعجب من جبال لو سخرت فيها جيوش الارض ما حركتها ولا زحزحتها من مكانها، لكنها بأمر الله وبكلمه ” كن ” يجعلها الله هباء منثورا، يجعلها الله كالعهن المنفوش، يجعلها الله تمشي وتسير فسبحانه القائل ” وتري الجبال تحسبها جامده وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى