ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى، ثم اما بعد قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير؟ فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم، ثم قال من نعمة الله تعالي على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غدا، قال الأمير نحن أحسن ظنا بالله منكم، فقال أقسم على الأمير بالله، هل تعلم أحدا أحسن ظنا بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال لا، قال فهل علمت أنه أخذ شيئا قط من غير حله ووضعه في غير حقه؟ قال اللهم لا، قال حسن الظن بالله أن تفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول شيخ الإسلام الإمام ابن القيم رحمة الله تعالي ” ولا ريب أن حسن الظن به إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه، أنه يجازيه على إحسانه، ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه، وهذا موجود في الشاهد فإن العبد الآبق المسيء الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدا، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له، كما قال الحسن البصري “إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل”

وقال أبو سهل ابن حنيف دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له، وكانت عنده ستة دنانير، أو سبعة دنانير، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، فشغلني وجعه حتى عافاه الله، ثم سألني عنها ” ما فعلت أكنت فرقت الستة دنانير” فقلت لا والله، لقد كان شغلني وجعك، قالت فدعا بها فوضعها في كفه، فقال صلى الله عليه وسلم ” ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده” وفي لفظ ” ما ظن محمد بربه لو لقي الله وهذه عنده” ويقول ابن القيم رحمه الله فبالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم، فإن كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك إنك لم تعذب ظالما ولا فاسقا، فليصنع العبد ما شاء، وليرتكب كل ما نهاه الله عنه، وليحسن ظنه بالله، فإن النار لا تمسه.

فسبحان الله، ما يبلغ الغرور بالعبد، وقد قال إبراهيم لقومه ” أئفكا ءالهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين ” أي ما ظنكم به أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، وقال أهل العلم وحسن ظن العبد بربه جل وعلا من جملة حسن عبادته، فيوقن أنه يعطف على ضعفه وفقره، ويكشف ضره ويغفر ذنبه بجميل صفحه، فيعلق آماله به لا بغيره، وكلما أحسن العبد الأدب في عبادة ربه حسن ظنه بأنه يقبلها، وكل ما شاهد توفيقه لفعلها حسن ظنه في عفوه عن زللها، ومن لا يحسن أدبه في خدمة ربه يتوهم أنه يحسن الظن وهو مغرور ويقول تعالي ” ولا يغرنكم بالله الغرور ” فيراه يأتي بصورة عبادة بغير أدب، ويؤمل القبول، ويسيء الظن بسيده في ضمان رزقه فيحرص عليه ويأخذه من غير حله، ويسيء الظن به في الشدائد فيفزع إلى غيره.

ويسيء الظن به في الخلق فلا ينفق في طاعته، ويحقق ظن عدوه وشيطانه فيستجيب له في بخله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يموتن أحد منكم إلا و هو يحسن الظن بالله تعالى ” رواه مسلم، وقال المناوي “أي لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة، وهي حسن الظن بالله تعالى بأن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه لأنه إذا حضر أجله وأتت رحلته لم يبقي لخوفه معنى بل يؤدي إلى القنوط وهو تضييق لمجاري الرحمة والإفضال، ومن ثم كان من الكبائر القلبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى