إنفتاح الدنيا وشدة التنافس فيها.. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إنه ينبغي علينا جميعا أن نتأمل في الأعمال التي تضاعف أجرها وذلك لغفلة الناس عنها، ولكن لماذا هذه الأجور العظيمة للمحافظين على صلاة الفجر؟ وتأمل إلى فضل قيام الليل، وثواب وأجر ركعتي الضحى، وكذلك من يدخل السوق الذي هو محل الغفلات والاشتغال بالبيع والشراء، ثم يذكر الله تعالى، فقد ملأ صحيفته حسنات كثيرة، ألا وإن مما يسنّ عمله في شهر شعبان هو الإكثار من قراءة القرآن، حيث قال أنس بن مالك رضي الله عنه ” كان المسلمون إذا دخل شعبان أكبّوا على المصاحف فقرؤوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية لضعفيهم على الصوم”
وقال سلمة بن كهيل رحمه الله ” كان يقال شهر شعبان شهر القرآن” وتأمل إلى الترجمة العملية لأحوالهم مع القرآن في شعبان، فقد كان عمرو بن قيس رحمه الله، إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته أي دكانه وتفرغ لقراءة القرآن الكريم، ومما ينبغي أن نتواصى به هذه الأيام أن نعوّد أنفسنا على قيام الليل، فلقد قدم عهد بعضنا به، ولو أن نبدأ من الليلة بثلاث ركعات، ثم بخمس، وهكذا، حتى ننشط له في رمضان، وما أسرع تصرّم الأيام، ولنعلم جميعا أنه في هذا الشهر ليلة عظيمة، ينظر الحق سبحانه وتعالى إلى عباده فيمنّ عليهم بالغفران، وتتنزل عليهم الرحمات، فقد روى ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن”
ففي شهر شعبان تعم مغفرته سبحانه وتعالى جميع خلقه، غربا وشرقا، شمالا وجنوبا، عربا وعجما، إلا صنفين من الخلق يحرمون من هذه الرحمة والمغفرة، فمن هم هؤلاء المحرومون؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” أما الصنف الأول فهو المشرك، الذي صرف ما هو حق لله لغيره سبحانه وتعالى، بأي نوع من أنواع العبادة من الدعاء أو النذر، أو الذبح أو الحج، وغير ذلك من العبادات التي لا تكون إلا لله تعالى، فمن فعل ذلك، فقد أشرك وإستحق العقوبة وهي عدم المغفرة، وأما الصنف الثاني فهو المشاحن الذي بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة وعداوة، وهذا هو حال كثير من المسلمين عندما تركوا هدي سيد المرسلين المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم.
فتكاد الشحناء تكون هي داء الأمة اليوم، ومرض كثير من المسلمين، مع إنفتاح الدنيا، وشدة التنافس فيها، فكيف نستقبل شهر رمضان بقلوب مثقلة بالأحقاد والبغضاء؟ وقد سُئل ابن مسعود رضي الله عنه كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان؟ قال ” ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم” فالله أكبر، إنها قلوب سليمة، فلم يسبقنا السلف إلى الله تعالى بكثرة الركوع والسجود فقط، ولكنهم سبقونا بنقاء القلوب، وسلامة الصدور، فإن أولى ما ينبغي علينا تفقده إستعدادا لهذه المواسم الفاضلة هو أن نتفقد قلوبنا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ” ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”
وقال ابن رجب رحمه الله ” ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة لصلاح حركات ابن آدم وفسادها، وأن ذلك كله بحسب صلاح القلب وفساده، فإذا صلح القلب صلحت إرادته، وصلحت جميع الجوارح، فلم تنبعث إلا إلى طاعة الله وإجتناب سخطه، فقنعت بالحلال عن الحرام، وإذا فسد القلب فسدت إرادته، ففسدت الجوارح كلها، وانبعثت في معاصي الله عز وجل وما فيه سخطه”.