الجار اليهودي مع سهل التستري.. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها النجاة يوم نلقاه، يوم يبعثر ما في القبور ويحصّل ما في الصدور، وأَشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إن من الحقوق الواجبه علي الجار هو الصبر على أذى الجار، فربما يبتلى المرء بجار سيئ الجوار، معتد أثيم، فعليه أن يصبر على آذاه وهذا من حسن الجوار، ويقول الحسن البصري رحمه الله ” ليس حُسن الجوار كف الأذى عن الجار، ولكن حسن الجوار هو الصبر على الأذى من الجار” ولقد أمر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم أن نصبر على أذى الجار، ولا نعامله بالمثل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال.”جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارا له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات “اصبر” ثم قال في الرابعة أو الثالثة “اطرح متاعك في الطريق” ففعل، قال فجعل الناس يمرون به، ويقولون ما لك؟ فيقول آذاه جاره” فجعلوا يقولون لعنه الله، فجاءه جاره، فقال رُدّ متاعك، لا والله لا أؤذيك أبدا” رواه أبو داود، فانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل بالصبر، ولم يأمره أن يعامل جاره بالمثل، فإذا جارك عصى الله فيك، فأطع الله أنت فيه، وقيل أن رجلا جاء إلى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال له إن لي جارا يؤذيني ويشتمني، ويضيّق علي، فقال اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه” ويقول عمرو بن العاص رضي الله عنه ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وإنما ذلك المنصف،
وإنما الواصل الذي يصل من قطعه، ويعطف على من جفاه، وليس الحليم الذي يحلم عن قومه ما حلموا عنه، فإذا جهلوا عليه جهِل عليهم، وإنما ذلك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم إذا حلموا، فإذا جهلوا عليه، حلم عنهم” ويقول الإمام الغزالي رحمه الله، واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل إحتمال الأذى، فإن الجار أيضا قد كف أذاه، فليس في ذلك قضاء حقه، ولا يكفي إحتمال الأذى، بل لا بد من الرفق، وإسداء الخير والمعروف، ويروى أن مالك بن دينار رحمه الله تعالى كان له جار يهودي، فحول اليهودي مستحمه إلى جدار البيت الذي فيه مالك، وكان الجدار متهدما، فكانت تدخل منه النجاسة، ومالك ينظف البيت كل يوم ولم يقل شيئا، وأقام على ذلك مدة وهو صابر على الأذى، فضاق صدر اليهودي من كثرة صبره على هذه المشقة.
فقال له يا مالك، آذيتك كثيرا وأنت صابر، ولم تخبرني، فقال مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” فندم اليهودي وأسلم، وكما قيل أن سهل بن عبدالله التستري رحمه الله قد كان له جار مجوسي، وكان في نفس البيت في الطابق الأعلى، فانفتحت فتحة في كنيف المجوسي، فكان يقع منها الأذى في دار سهل، فكان يضع كل يوم الجفنة تحت الفتحة، فينزل فيها الأذى، ثم يأخذ ذلك بالليل ثم يطرحه بعيدا، فمكث رحمه الله على هذا الحال زمانا طويلا إلى أن أتى سهلا المرض، فاستدعى سهل جاره المجوسي، وقال له ادخل ذلك البيت وانظر ما فيه فرأى الفتحة والقذر، فقال ما هذا؟ قال سهل هذا منذ زمن طويل يسقط من دارك، وأنا أتلقاه بالنهار وأُلقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي ما أخبرتك.
وأنا أخاف أن لا تتسع أخلاق غيري لذلك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي أيها الشيخ أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمن طويل، وأنا مقيم على كفري، أيها الشيخ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم مات سهل رحمة الله عليه.