الخروج عن السنة والتكفير بالذنوب .. الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، ثم أما بعد قال الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله “إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله وهذا كالإنكار على الملوك والولاة في الخروج عليهم فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر” وقال الإمام تقي الدين رحمه الله تعالى واصفا منهج أهل السنة والجماعة “هم الوسط في فرق الأمة،
كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم الوسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج” فردود الأفعال غاليا لا تتسم بالإنضباط والموضوعية بل يسوقها الإنفعال ويقودها الغضب، فلا تتوقف في رد ما تراه باطلا عند منطقة الحق، بل تتجاوزها إلى الطرف الآخر المخالف وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وعلى سبيل المثال لما خرجت الوعيدية وهم الخوارج والمعتزلة قابلتهم الوعدية المرجئة، والجبرية ضد القدرية وهم النفاة، والتعطيل في مقابل التمثيل.
والنصب مقابل الرفض، والغلو المعاصر في التكفير مقابل الإرجاء المعاصر والإفتئات ضد السلطان مقابل التهالك عليه وهكذا، هذا وإن أول نزاع في الإسلام كان قد وقع في مسألة الوعد والوعيد، وقد إشتمل الوحي بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية على نصوص الوعد والوعيد وأهل التوفيق والسعادة هم أهل السنة والجماعة الذين أعملوها جميعا ولم يكذبوا بشيء منها ومن تطبيقاتهم العملية لهذا المنهج السلفي المستقيم لتحقيق الوسطية والخيرية حديث الإمام الزهري رحمه الله تعالى، فقد حدث الزهري بحديث الرجل الذي أوصى بنيه بأن يحرقوه بالنار بعد موته ويذرّوا رماده، والحديث متفق علي صحته ثم يردفه بحديث المرأة التي دخلت النار في هرة، الذي رواه مسلم ثم قال رحمه الله مبينا سبب روايته للحديثين في مجلس واحد ” لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل”
وقال الإمام النووي رحمه الله معلقا معناه لما ذكر الحديث الأول وما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء، فضمّ إليه حديث الهرّة الذي فيه من التخويف ضد ذلك، ليجتمع الخوف والرجاء، وهكذا معظم آيات القرآن العزيز يجتمع فيها الخوف والرجاء، ومن أشد ما جوبهت به الدعوة السلفية رميها بالتكفير بإطلاق من قبل المرجئة أو ممن تأثر بهم، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله “عزلة الجاهل فساد، أما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها” وقد صدق رحمه الله فمن أكبر أسباب الإنحرافات المنهجية العقدية وما يتبعها من إنحرافات عملية وسلوكية، هو البعد عن توجيه أهل العلم والنصح وإنفراد الشيطان بالمتعبدة، وإصابتهم بكلبه حتى تتجارى بهم الأهواء بعيدا عن كهف من جمع الله لهم بين العلم والإيمان وحينما ذهب ابن عباس رضي الله عنهما لمناظرة الخوارج.
وألزمهم بإلزاميّاته الكبار قشع عن جمهورهم قتار الشبهة وقزع الهوى، فتركوا منظري الفتنة والخروج إلى حكمة العلم وسكينة الإيمان، فعاد جلهم للحق ولم يبقي إلا من سحقهم أمير المؤمنين في النهروان، والسنة بريئة ممن إنتسب إليها ممن لم يلتزم بها وإنتساب الخوارج للسلفية وأهل السنة والجماعة كإنتساب الأشاعرة لأهل السنة والجماعة مع أنهم جهمية جبرية مرجئة، والعبرة بالمنهج والبرهان، أما الدعوى فيحسنها كل أحد، ومسلك الكلام في التكفير شديد الوعورة خطر الخطا ومزلة القدم فيه قريبة لمن لم يأخذه بحقه، وعثرته صعبة الإقالة، إذ يترتب على ذلك حكم بتكفير أو إسلام، وقال الشيخ عبدالله بن الإمام المجدد ” وبالجملة فيجب على من نصح نفسه أن لا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله.
وليحذر من إطراح رجل من الإسلام أو ادخاله فيه، فإن ذلك من أعظم أمور الدين” وقال محمد الطائي أملى علي أحمد أي ابن حنبل “ومن لقيه مصرّا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها الغقوبة، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إذا توفي على الإسلام والسنة” وقال ابن تيمية رحمه الله ” الخوارج لهم خاصيتان، الخروج عن السنة والتكفير بالذنوب”