صرخات في الفراغ.. قصة قصيرة للكاتب/ محمود سعيد برغش

 

في زاوية مظلمة من كافيه صغير، جلست رانيا تراقب المارة خلف زجاج يعكس ملامحها المتعبة. في عينيها سكون يشبه الليل، وعلى الطاولة أمامها دفتر قديم، تملؤه كلمات لم يسمعها أحد، سوى روحها التي تثقلها الأوجاع.

لم تكن تنتمي لهذا المكان، بل ربما لم تكن تنتمي لأي مكان. كانت عابرة، تبحث عن شيء مجهول، كأنها ظلٌ ضاع صاحبه منذ زمن. كلما حاولت الاقتراب من الواقع، صفعتها الحياة بجرعة أخرى من الخذلان.

مسكت قلمها، وبدأت تكتب:”أنا هنا لأصرخ، لا ليُسمع صوتي، بل لأتحرر من قيودي التي نسجها الزمن حولي. لم أطلب أن أكون جزءًا من هذا المسرح الزائف، لكنني جئت، ورأيت، وتألمت. كل كلمة أكتبها ليست إلا نبضًا يحتضر، فرفقًا.. أنا لم أعد أقوى على الاحتمال.”

كانت تدرك أن كلماتها ليست مجرد حروف على ورق، بل روح تتعرى أمام ذاتها، تصرخ في الفراغ علّها تجد صدى. لكنها تعلم أيضًا أن الصدى قد لا يأتي، وأن الوحدة قد تكون رفيقها الأبدي.

وقفت فجأة، جمعت أوراقها، وغادرت الكافيه ، تاركة وراءها طاولتها الفارغة وكوب قهوتها الباردة. لم يكن أحد هناك ليسمع صرخاتها، لكنها كانت تعلم جيدًا أن بعض الصرخات لا تحتاج لأذن تسمعها، بل لقلب يشعر بها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى