أسوار صلاح الدين.. أعظم التحصينات الدفاعية في تاريخ مصر الإسلامية

كتابة و اعداد – رانيا البدرى
تُعد أسوار صلاح الدين الأيوبي إحدى أعظم التحصينات الدفاعية في تاريخ مصر الإسلامية، حيث لم تكن مجرد حاجز مادي يحيط بالقاهرة، بل كانت رمزًا للقوة والاستقلال في مواجهة الأخطار الخارجية.
جاء بناء هذه الأسوار في سياق تاريخي مليء بالتحديات، إذ سعى صلاح الدين إلى تأمين مصر من التهديدات الصليبية والخطر الداخلي المتمثل في الصراع السياسي بعد سقوط الدولة الفاطمية.
لم تكن القاهرة وحدها ضمن نطاق هذه التحصينات، بل شملت الأسوار مدن الفسطاط والعسكر والقطائع، مما جعلها من أضخم المشروعات الدفاعية في العصور الوسطى.
بدأت القصة عندما استنجد الخليفة الفاطمي العاضد بنور الدين محمود بن زنكي لحماية مصر من خطر الصليبيين، خاصة بعد خيانة الوزير الفاطمي ضرغام الذي دعا الصليبيين لغزو مصر مقابل دعمه لهم، استجاب نور الدين وأرسل جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، وبرفقته ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، فنجحوا في صد الهجوم الصليبي، وتولى شيركوه وزارة مصر بعد انتصاره. ولكن بعد وفاته، انتقل المنصب إلى صلاح الدين، الذي بدأ في إعادة تنظيم الدولة وتحصين القاهرة.بعد سقوط الدولة الفاطمية عام 567 هـ، وتوحيد مصر تحت راية الدولة الأيوبية، أدرك صلاح الدين أهمية إنشاء سور واحد يضم الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة، ليكون حاجزًا منيعًا ضد أي عدوان محتمل. وفقًا لما ذكره المقريزي في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، فقد أصدر صلاح الدين عام 572 هـ أمرًا ببناء السور، وكلف الأمير بهاء الدين قراقوش بالإشراف على المشروع، وشمل البناء حفر خندق عميق وإقامة قلعة ضخمة على جبل المقطم.
تتبع أسوار صلاح الدين تخطيطًا استراتيجيًا، حيث امتدت من برج الظفر شرقًا حتى شارع الجيش غربًا، وتم ربطها بنقاط دفاعية رئيسية مثل القلعة، وفقًا للمصادر التاريخية، بلغ طول السور حوالي 29,302 ذراعًا، وشملت الأبراج والحصون والأبواب، مثل باب زويلة، وباب الفتوح، وباب النصر، والتي تعود أصولها للعصر الفاطمي لكنها أُدرجت ضمن التحصينات الأيوبية.
لم يكن السور مجرد حاجز دفاعي، بل كان خط الدفاع الأول أمام أي غزو، وقد ساهم تصميمه القوي في تأمين العاصمة ضد الهجمات الصليبية، كما كان له دور محوري في التصدي للتمردات الداخلية، وعزز بناء القلعة داخل نطاق السور من قدرة الجيش على التحرك بسرعة داخل المدينة والدفاع عنها بكفاءة.
ساهم السور في توسيع نطاق القاهرة وجعلها مركزًا استراتيجيًا لا يقتصر فقط على الحكم، بل امتد ليشمل النشاط التجاري والعمراني، كما ساعد في دمج المدن القديمة، مثل الفسطاط والعسكر، في نسيج عمراني واحد، مما أدى إلى تحول القاهرة إلى عاصمة قوية تحت الحكم الأيوبي.و لم يتوقف العمل في السور والقلعة بوفاة صلاح الدين، بل استمرت التوسعات في عهد أبنائه وخلفائه من الأيوبيين والمماليك، حيث أضيفت التحصينات الجديدة، مثل الأبراج القوية والخنادق المائية، مما ساعد في الحفاظ على أهمية القاهرة كعاصمة للدولة الإسلامية لقرون.