المنكر للجميل والجاحد للنعمة

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد أيها الناس إن من مساوئ الخلال وذميم الخصال التي حذرنا منها الإسلام هو نكران الجميل، ونكران الجميل يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طبعت على حب من أحسن إليها، والتوقف إزاء من أساء إليها ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجميل سويا في نفسه أو مستقيما في سلوكه وطبائعه ما ينعكس بالدرجة الأولى على ذاته وشخصيته وعلاقته مع غيره.

فينفضّ الناس من خدمته بعد أن يكتشفوا حقيقة مرضه الدفين في نفسه، وقد حثنا ديننا الحنيف على شكر من يقدم لنا معروفا حتى تسود العلاقات الطيبة في المجتمع، فأكد الإسلام بر الوالدين، وشكرهما جزاء ما قدما لنا، كما وجه النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وتوجيه الشكر لمن أسداه إلينا، بل الدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ” وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أمته إلى الإعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من أُعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر، 

ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور” أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانا فهذا دليل على خسّة النفس وحقارتها، إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل، أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردا، فيقول القائل ” إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد ” فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة، فإن الله تعالي يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون”

وإن المعروف المقصود هنا هو فعل الخير وإسداؤه للعباد، سواء كان هذا الخير مالا كالصدقة والإطعام وسقاية الماء وسداد الديون، أو جاها كما في الإصلاح بين المتهاجرين والشفعة وبذل الجاه، أوعلما أو سائر المصالح التي يحتاجها الناس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى وعيادة المرضى، وغير ذلك، ومن النصوص التي أشارت إلى تنوع هذه العبادة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يصلون ويصومون ويحجون، قال ” وأنتم تصلون وتصومون وتحجون” قلت يتصدقون ولا نتصدق؟ قال “وأنت فيك صدقة، رفعك العظم عن الطريق صدقة، وهدايتك الطريق صدقة، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانك عن الأرثم، أي الذي لا يبين الكلام، صدقة، ومباضعتك امرأتك صدقة”

قال قلت يا رسول الله نأتي شهوتنا ونؤجر؟ قال ” أرأيت لو جعلته في حرام أكان تأثم ” قال قلت نعم قال ” فتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير ” رواه أحمد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى