أقصروا عن التقصير في هذا الشهر القصير .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم اما بعد فإن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله جل شأنه فهي زاد المؤمن ودليل الحائر، وهي الوقاية بين العبد وبين عذاب ربه، عباد الله إن الزمان يدور كما تدور الرحى، عشية تمضي، وتأتي بكرة، والناس فيه بين مُقلّ ومُكثر، وكادح وراقد، وجاد وهازل.
فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والسعيد منهم من عرف حظه من مواسمه فإغتنمها، وشمّر عن ساعد الجدّ وما فرّط فيها، فإن في مواسم الخيرات لمربحا ومغنما، وفي أوقات البركات والنفحات لطريقا إلى الله وسلَّما، يوفق إليها الساعون المجدون ويزاد عنها الكسولون القعدة، والزمن إبّان ذلك كله وحيد التقضي، بطيء الرجوع، من فرّط في لحظة منه فلن يدركها مرة أخرى لأن ما مضى فات، والمؤمل غيب، وليس للمرء إلا ساعته التي هو فيها، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، وإن مما يعينك على نفسك وينفعك في رمسك وينصرك على أهوائك، ويشفيك من أدوائك، ويسد خللك، ويذهب عللك، ويشرح فؤادك، ويحقق مرادك، ويزيل غرمك، ويكثر غنمك، ويعظم حصدك، ويصلح قلبك، ويقيم دربك، ويرضي ربك، ويحفز جوارحك، وينشط جوانحك أن تحسم إرادتك.
وتحزم إدارتك، وتحسن عبادتك، ولتحقيق ذلك حدث نفسك قائلا لعل هذا العمل الصالح آخر عمل في حياتي، ولعل هذا الموسم لن يتكرر بعد فلأجتهدن في الفوز فيه، لعلي لن أسلك هذا الطريق ثانية، فليكن الآن قبل أن يضيقن ويغلق المضيق، لعله لا يتاح لي مرة أخرى أن أسهم في هذا المعروف والبذل والعون والعطاء، فلأسارع قبل الرحيل، ويحل بدل الممكن المستحيل، فيا أيها المتقون الصائمون، فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم، والمساكين من جيرانكم، والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برّهم وإسعادهم، أشركوهم معكم في رزق ربكم، اذكروا جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، وغربة المشردين، ووحشة المهجرين، واغتنموا فسحة أعماركم، وقوة أبدانكم في الإقبال على الخيرات في رمضان، فإن لكل شيء سوقا.
وإن سوق الآخرة رمضان، وإن من هُيئ له أن يدخل السوق ليربح ثم انصرف عنه، فهو من أعظم الخاسرين، وإن الخسارة التي لا ربح بعدها خسارة العبد مغفرة الله ورحمته، فأقصروا عن التقصير في هذا الشهر القصير، ويا باغي الخير أقبل، فاجتهدوا ما استطعتم في إعتاق رقابكم، وفكاك أبدانكم، وشراء أنفسكم من الله جل جلاله، ولا تشغلنكم الدنيا عن أداء المفروض، فإنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، واحذروا أن تكونوا ممن استهوته الشياطين، فشغلته بالدنيا عن الدين، أو قطعته بنيات الطريق فغط في سبات عميق، أو انشغل بالملهيات فغفل عن شهر الرحمات، والهاتف من بديع المخترعات، وعجيب المصنوعات، تشعبت بنا عجائبه، وكثرت فينا مطالبه، وعلقت فينا مخالبه، وتفرقت بنا مشاربه، فلنحذر أن يزاحم الهاتف والواتساب والإنترنت عبادة رب الأرباب، وأن ينافس وظائف الشهر المبارك، الذي سرعان ما يحول ويزول.