مانديلا كردستان يُلقي السلاح:مستقبل القضية الكردية إلى أين

مانديلا كردستان يُلقي السلاح:مستقبل القضية الكردية إلى أين؟
عزت ابو علي – بيروت
لم يكتمل حلم الأكراد كما أقرانهم العرب بتأسيس وطن قومي لهم، كما حصل مع جيرانهم من مختلف المكونات إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ولربما كانت الظروف الإقليمية والدولية تعاكس الحلم الكردي، الذي ظل مشتتاً بين أربع دول هي تركيا وسوريا وإيران والعراق على الرغم من تمتّع من هم في شمال العراق بشيء من الحكم الذاتي لكن دون الارتقاء لمستوى الدولة القومية.
ولم تتمكن الأحزاب الكردية من تحويل الحلم إلى الواقع، لكن العام 1978 شهد تأسيس المنظمة التي ستصبح فيما بعد رمزاً لنضال الأكراد، حيث أسَّس الزعيم عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني الذي اتخذ بعد 6 أعوام وتحديداً في العام 1984 قراراً مفصلياً بالانتقال إلى العمل المسلح، لتشهد عقود عدة من الزمن على صراع دموي بين الأكراد وتركيا.
صراع لم يكن في صالح الطرفين أبداً، فالجيش التركي استطاع سحق الأكراد أينما تجدَّد الصراع الذي انطلق من جبال قنديل وصولاً حتى أقصى الشرق السوري، كما خسر الـ PKK زعيمه أوجلان الذي يقبع في محبسه الانفرادي في جزيرة إمرالي منذ العام 1999.
لم تمت القضية الكردية فأوجلان نجح رغم اعتقاله في إبقائها حيَّة في النفوس، ولم تشهد الحرب مع أنقرة الهدوء إلَّا في العام 2013 على إثر دعوة منه إلى ذلك، لكن ما لبثت التهدئة أن انهارت وعادت الطرفان الى الاقتتال.
اقتتال كانت تسعى أنقرة إلى إنهائه، بشتى السبل في ظل مخاطر محدقة حول التقسيم الذي أرَّق نوم الرئيس رجب طيب أردوغان وكل الأحزاب التركية الإسلامية التوجه أو القومية أو العلمانية منها، لتنجح قبل 5 أشهر بإطلاق الحوار مع أوجلان الذي دعا أعضاء المنظمة ليس إلى إلقاء السلاح فقط، بل، إلى حلّ المنظمة التي شكَّلت الأساس لحلم إنشاء الدولة الكردية.
يقول قيادي كردي رفيع المستوى في حزب العمال الكردستاني في حديث خاص، إن الكفاح المسلح كان له دور محوري في إحياء الهوية الكردية وفرض القضية الكردية على المشهد السياسي في تركيا، رغم تكلفته البشرية والاجتماعية والسياسية العالية.
ويتابع، لكن ومع تغير موازين القوى وتطور التكنولوجيا العسكرية لدولة عضو في الناتو مثل تركيا، تراجع تأثير حرب العصابات بشكل ملحوظ، وفي المقابل، أصبح النشاط السياسي أكثر فاعلية، خاصة مع صعود حزب DEM كقوة سياسية ثالثة في البرلمان التركي، ونجاح الحزب في تمثيل شريحة واسعة من الأكراد إلى جانب قوى يسارية وليبرالية، وهو ما يُشير إلى تحول في أساليب النضال الكردي نحو المسارات الديمقراطية.
لكن المسؤول الكردي يستطرد قائلاً “يبقى التساؤل قائماً فهل كان هذا التحول ممكناً دون المرحلة المسلحة، أم أن الكفاح المسلح كان ضرورة فرضت نفسها لتمهيد الطريق أمام العمل السياسي؟
لا يمكن فصل المسارات عن بعضها خاصة وأنَّ المسلحين الأكراد في سوريا يؤمنون بفكر حزب العمال الكردستاني ولو اختلفت مسمياتهم ويُجمعون على أن أوجلان زعيمهم، لذا يقول المسؤول رفيع المستوى إنَّ السلام مع الأكراد في تركيا يمكن أن يسهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، فالتوتر بين الحكومة التركية والحركة الكردية يمتد عبر الحدود، مما يجعل أي صراع في تركيا ذا تأثير مباشر على الوضع في شمال شرق سوريا، ويؤكد أنَّ تحقيق السلام الداخلي في تركيا سيحدّ من التدخلات العسكرية التركية في سوريا، حيث تبرر أنقرة عملياتها هناك باعتبارها امتداداً لمحاربة الجماعات الكردية، كما أن تهدئة الصراع سيمنح قسد مساحة أكبر للتركيز على مواجهة التحديات المحلية، مثل محاربة خلايا داعش ورعاية شؤون المناطق التي تتواجد بها، ويُردف أن الاستقرار في تركيا سيخلق أيضاً فرصة للتقارب السياسي، ويفتح الباب أمام تسويات إقليمية قد تساهم في حل الأزمة السورية بشكل أوسع، خاصة مسألة آلية الحكم في سوريا وإشراك الجميع في اتخاذ القرار بما يضمن عدم تهميش الأكراد هناك بعد نضالهم الممتد منذ انطلاق الثورة، في محاولة لرفع الظلم الذي طالهم لمدة خمسة عقود من الزمن إبان حكم الأسد الأب ومن بعده الابن قبل سقوط النظام.