إلى ظلال الذكرى التي تأبى الأفول .. الكاتبة/ الزهرة العناق

إلى ظلال الذكرى التي تأبى الأفول
من عنوان مجهول
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.
و بعد،
أيها الزمن البعيد القريب، إليك أبعث رسالتي من شرفات الذكرى، حيث تقف تجربة لم تنطفئ شموعها، بل ظلت تلوح بين جوانحي كنشيد أبدي يعيد رسم الملامح التي طواها الغياب على قلبي.
كنت فعلا لحظة مميزة، لم أدرك حينها أن وهجك سيترك ندوبا على روحي أو سيمسح عنها غبار الأوهام. رأيتك بألوانك مختلفة، ولم تكن جميعها صافية، بل كنت لوحات تداخلت عليها التناقضات، بين ضوء أغراني أن أسير خلفه، و عتمة أرهقتني بسؤال لا جواب له.
ما زلت أسمع صدى تلك اللحظة، كأنها نافذة مفتوحة على ماض لم يسدل ستاره بعد. أتحسس ملمسها، كأنها ورقة لم تذبل رغم مرور المواسم، و كأنها نقش على جدار القلب لم تمحيه ريح النسيان.
لم تكن تجربة عابرة، بل كانت نهرا، جرفتني مياهه بعيدا عن الضفاف التي عرفتها، ثم أعادتني إلى شاطئ أكثر عمقا، لكنه لم يكن كما عهدته، بل صار غريبا عني، و كأنني غريبة عنه. لم أعد أنظر إليه بعين الدهشة و الإعجاب كما كانت في أول مرة، ولا أراني أرتجي منه ما كنت أظنه أبدياً.
أيها الزمن، لقد كنت مرآة مكشوفة، عكست لي وجهي كما لم أره من قبل، بملامحه المتعبة، و انكساراته المتوارية خلف ابتسامة مزيفة. لكنني لا أنكر أنك كنت أيضا نافذتي إلى ذاتي، إلى حقيقة كنت أهرب منها، فاحتضنتني بصلابتها حتى تعلمت كيف أستقيم دون أن أتكئ على ظلال زائلة.
تركت في داخلي أثرا لا يمحى، و ألما لا ينسى، و مزيجا من حكمة صاغتها التجربة، و ندبة لا تخدشني ولكنها تذكرني بأنني كنت هناك يوما منكسرة الجوانح، حيث سقطت يوما ثم قمت، ظننت أنني ضعت، لكن وجدتني في النهاية أكثر وضوحا و صلابة.
ها أنا أكتب إليك اليوم، ليس عتابا و لا حنينا، بل امتنانا لأنك جعلتني أدرك أن كل ما يمر بي ما هو إلا فصلا من كتابي، قد يكون موجعا، و قد يكون باعثا للدفء، لكنه في النهاية، جزء لا يتجزأ من حكايتي.
إلى تجربة لم تمت لكنها لم تعد تؤلمني…
أسدل عليك السلام، و أمضي بسلام.