لا تجرحوا صيامكم بالزور والإثم

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد يا أيها الناس إن من شاء لنفسه الخير العميم فليدلف إلى باب التوبة في رحاب رمضان خاصة، وفي كل وقت عامة، فبابها مفتوح وخيرها ممنوح ما لم تغرغر الروح، وقال بعض العلماء دعوت الله سبحانه وتعالى ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحا، ثم تعجبت من نفسي وقلت سبحان الله، حاجة دعوت الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن.
فرأيت فيما يرى النائم قائلا يقول لي أتعجب من ذلك؟ أتدري ماذا تسأل الله تعالى؟ إنما تسأله سبحانه أن يحبك، أما سمعت قول الله تعالى ” إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ” فكم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب هنا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فليتحق بالصفوة، فأين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والبصائر؟ أما لنا فيهم أسوة ؟ فحينما يستقبل المسلم موسما يرجو غنيمته فإنه يجب عليه ابتداء تفقد نفسه ومراجعة عمله، حتى لا يتلبس بشيء من الحوائل والموانع التي تحول بينه وبين قبول العمل، أو تلحق النقص فيه.
إذ ما الفائدة من تشمير مهدور أجره وعمل يرجى ثوابه فيلحق وزره؟ فعلى العبد الصائم أن يتفقه في دين الله تعالي، ويجتنب الذنوب والمعاصي ومحبطات الأعمال، ويحرص على إعفاف الجوارح، حيث قال ابن رجب رحمه الله واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك هذه الشهوات المباحة أصلا في غير حال الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرّم الله في كل حال كالكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم” وإذا كان الأمر كذلك فليحذر الصائم مما أعده أهل الإنحلال ودعاة الفساد والضلال، من برامج مضلة ومشاهد مخلة، فهم قوم مفسدون لا يبالون ذما، ومضلون لا يخافون لوما، ومجرمون لا يراعون فطرا ولا صوما، عدوانا وظلما، جرّعوا الشباب مسموم الشراب، وما زادوهم غير تتبيب، وتدمير وتخريب، فإن رمضان خير الشهور.
فحذاري حذاري من انتهاك حرمته، وتدنيس شرفه، وانتقاص مكانته، فيا أيها المسلمون، لا تجرحوا صيامكم بالزور، والإثم، والجهل والظلم، فربّ صائم لا يقوم ثواب صيامه في موازنة إثم ظلمه وإجرامه، فاتقوا الله يا من أمسكتم عن المفطرات والمفسدات أثناء الصيام، وفعلتم ما يجب إجتنابه على الدوام، فيا أيها الصائمون، ليس الصوم فقط هو الإمساك عن الشراب والطعام، إنما الصوم هو صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكف الكف عن أخذ الحطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يخلص لنا القول والعمل وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا إجتنابه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة.