بعد 23 عام.. تسريب أغنية غير مكتملة للهضبة تشعل مواقع التواصل الاجتماعي

كتب: محمد كمال قريش
ويعز عليا فرقتك يانا
لا تطول الغيبة عليا أمانة
العمر الجاي بترجى نسيانك
حتى تعود يا قمرنا لسمانا..
أغنية اُستبعدت من ألبوم علم قلبي/ 2003
ظهر هذا المقطع القصير في حلقة عن عمرو دياب في برنامج “مع ممدوح موسى”.كلمات ولحن وستايل عمرو دياب عادوا بي 20 سنة للوراء، حين كان عمري 15 عام.
عام 2005، كانت جميع محال مدينة “فاقوس” التي كنت أدرس بها أو معظمها تصدح بأغاني ألبوم “كمل كلامك”، وخصوصًا علامة الألبوم الفارقة “أيام وبنعشها”. كصبي قروي، يعيش في إحدى القرى التابعة لمركز “فاقوس” بمحافظة الشرقية، لم يكن عمرو دياب ذوقي وقتئذ في استماعي للأغاني، ولا ذوق القرية كلها والقرى المجاورة.
كان مصطفى كامل هو سيد الذوق العام في الأرياف. غير أني لم أكن أحمل أغانيه معي؛ لم يكن المفضل لدي، وأيضًا لم أكن مهتمًا حينها أو ميالًا لسماع الأغاني، وحتى لو فعلت، لم يكن لدي هاتف أو تسجيل يشجعني على شراء شرائط الكاسيت.
بدأ عمرو دياب في الظهور في حياتي كمطرب متفرد في عالم الفن بينما أسير في شوارع فاقوس. صوت لم أعتده من قبل، نبرة رخيمة محببة وعجيبة، إحساس صافٍ وراقٍ، مزيكا مربكة؛ ليست كالشائعة حينها، لم تألفها الأذن، تبدو وكأنها ليست شرقية.
أيام وبنعشها.
غناها بطريقته الآسرة وصوته الساحر. كلمات موغلة في الواقع، يقولها بصدق، بأداء فريد وإحساس رهيب. أحببتها، وأحببت التجول في شوارع المدينة المقتظة بالمارة. أمشي ببطئ مرهفًا سمعي، مستعدًا لالتقاط المعجزة الغنائية وتذوقها والتلذذ بها.
كنت أعرف “سايبر” وأتردد عليه. كان رائعًا بتصاميمه المتميزة، وديكوره الحجري، وأثاثه المصنوع من سعف النخل. وكان رائعًا أكثر وأكثر لأن أغاني ألبوم كمل كلامك لم تكن تنقطع عنه طوال اليوم، لدرجة أن ذاكرتي لهذا “السايبر” ارتبطت من وقتها وإلى الأبد بذلك الألبوم وتحديدًا بنجمته “أيام وبنعشها”.
منذ عامي الخامس عشر، وإلى الأبد، اختلفت ذائقتي الفنية، والأدبية. اختلفت وطغى حب استماعي إلى عمرو دياب على حياتي وظهر جليًا حتى أصبح مؤثرًا.. فصار كل من يرافقني أو يعرفني أو يسمع بي.. تتغير ذائقته الفنية، من….. إلى عمرو دياب، بسببي!
أتذكر من بين ما أتذكره، أنني في أحد أيام تلك الفترة أشرت إلى سائق “توكتوك” وحالما توقف وحملني، شغّل أغاني عمرو دياب، ومن ابتسامته، أدركت أنه فعل ذلك من أجلي!
كنت – ولا فخر في هذا – أحفظ أغاني عمرو دياب بالكلمة واللحن والتوزيع. قديمة وجديدة. التي أحببتها والتي لم أحبها. وفي الحقيقة، قائمة الأغاني التي لم أكن أحبها لعمرو دياب كانت وما تزال خالية تمامًا، لأنه ببساطة.. لا توجد قائمة.
لم أكن أحب أغانيه فقط، بل أسلوبه وطريقته، حتى كلمة “شكرًا” في حفلاته، بعدما ينتهي من الغناء.. كان ويا للأسف، هوسًا به.
الحمد للّٰه توقفت عن حمل وسماع الأغاني منذ عام 2014، وكان جهادًا عظيمًا لنفسي؛ أن أقنعها بالكف عن الميل واشتهاء الاستماع إلى عمرو دياب. لكن ما ليس لي سطوة عليه.. هو الحنين.
الحنين ليس لأغاني عمرو فحسب، أو تحديدًا؛ بل الحنين إلى تلك الأوقات.الحنين إلى فترات الصبا وبداية الشباب. إلى عام 2005 وأحداثه، وبداية تشكل وعيي وذائقتي واستيعابي للعالم.الحنين إلى أصدقائي حينها، ولعب كرة القدم وغيرها من الأشياء، والحنين إلى نفسي.
الحنين إلى كل ما يخلفه المرء وراءه، الحنين إلى الماضي! هل التقدم في العمر إذًا هو ما يخيفنا؟ هو ما يخلق ما نسميه الحنين؟ هل لو ضمن الإنسان الخلود، لن يحن ولن يشغله الماضي؟ أم الحنين شعور باق، ما بقي الإنسان؟!
لا أجد ما أنهي به هذا المقال، إن كان يسمى مقالًا. لا أستطيع الإتيان بحكمة ما، ولا أريد.فقط رغبت في الكتابة، والتعبير عن مشاعر، أشعر بكل ما فيّ من شعور، أنني لو لم أفعل لأرهقتني كثيرًا ولآلمتني. ومع ذلك.. هي ترهقني الآن وتؤلمني!