الزهرة العناق تكتب : مدرسة رمضان

 

في ميدان النهضة بالنفس، تقرع طبول الهمم، و تشحذ العزائم لتتحرر الأرواح من قيود الكسل والخمول، فتخطو بخفة نحو معارج النور، حيث لا مكان للمتخاذلين ولا حظ للمترددين. في مدرسة رمضان، تكتب أعظم الملاحم، وتعيد الأرواح رسم خرائطها، متحررة من أثقال الغفلة، ساعية نحو قمة الفائزين، حيث الروح تروى بنفحات الرحمة، والقلب يزهر بفيض المغفرة.

ونحن في هذا الشهر الفضيل، نرفع أكف الضراعة، ندرك حقيقة لا نزاع فيها، أننا نحن الفقراء إلى الله، المحتاجون إلى رحمته، المتوسلون إلى عفوه صباحا مساء.

رمضان ميدان لترويض النفس، وورشة تصقل فيها الأرواح، إنه مختبر تختبر فيه عزائمنا أمام نوازع الهوى وثقل العادات. فيه تتهاوى الستائر عن حقيقة قلوبنا، فإما أن نجدها حية نقية، تتسابق إلى الطاعات كما يتسابق العطشان إلى الماء، وإما أن نكتشف فيها صدأ الغفلة، فنهرع إلى تنقيتها قبل أن يطوى سجل الشهر ونكتب في قوائم المحرومين.

في هذا الشهر، يمد الله لنا يد المغفرة، فمن تقاعس عن السعي إليها، و أدركه العيد وهو كما كان، فقد فوت على نفسه فرصة لا تعوض.

ألا نخشى أن ينقضي رمضان ونحن لم نتغير؟

و أن تغلق أبواب الرحمة ونحن ما زلنا في نفس النقطة و نسير على نفس الوثيرة؟

هل لنا قلب يطرق باب الله طوال العمر، أم سيعرض عن الطاعة بعد انقضاء هذا الموسم؟

ها نحن نعيش أيام المغفرة، ننتظر ليالي العتق من النار، لنجعل منها نقطة تحول، نجدد فيها العهد مع الله، نغير فيها فتور البدايات باندفاع العارفين، و نختمها كما يختمها الصادقون، بعين دامعة، وقلب متبتل، ونفس مشرئبة إلى مقام الرضوان. فإن لم يغفر لنا في رمضان، فمتى؟ وإن لم نقبل على الله فيه، فمتى؟

رمضان ليس محطة عابرة، ولا سباقا ينتهي بليلة الوداع، بل مشعل يوقد لينير الدرب طيلة العمر. فمن خرج منه خالي الوفاض، خرج خاسرا بصفقة لا تعوض، ومن اغترف من فيضه، حمل معه زادا يبلغه الريان، حيث لا ظمأ بعده ولا ندم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى