الزكاة فريضة تطهر المال و تزكي النفس.. الكاتبة/ الزهرة العناق

الزكاة ليست مجرد التزام مالي يؤديه المسلم، بل هي نظام اجتماعي متكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين طبقات المجتمع، وتطهير المال والنفس من الشح والبخل، وتعزيز روح التكافل والتراحم بين المسلمين. فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، فرضها الله تعالى على الأغنياء حقا للفقراء، تحقيقا للعدالة و إرساء مبادئ التآزر والتضامن.

على الرغم من تصنيف الزكاة ضمن العبادات، إلا أنها تحمل بعدا اقتصاديا و اجتماعيا يجعلها أقرب إلى نظام مالي متكامل. فهي تختلف عن الصدقات التطوعية، إذ إنها فرض محدد بمقادير واضحة، يلتزم بها المسلم القادر. وفي هذا الجانب، نجد أن الإسلام لم يتركها مفتوحة للاجتهاد الشخصي، بل فصل أحكامها في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث قال تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها” (التوبة: 103).

الزكاة ليست فقط وسيلة لتنقية المال من الشبهات أو زيادة البركة فيه، بل هي وسيلة لتحقيق الأمن الاقتصادي، ومنع تراكم الثروات في يد فئة قليلة، مما يؤدي إلى الفقر و الاضطرابات الاجتماعية.

إن فرضية الزكاة ليست مجرد التزام ديني، بل هي حل عملي لكثير من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم. ففي مجتمعاتنا الحديثة، حيث تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تبرز الحاجة الملحة إلى تفعيل دور الزكاة بطريقة أكثر تنظيما، بحيث تساهم في سد احتياجات الفقراء، وتعزز المشاريع التنموية التي تضمن لهم مصدر دخل مستدام.

لقد أثبتت الدراسات أن توزيع الثروة بشكل عادل يقلل من الجريمة ويزيد من الاستقرار الاجتماعي، وهذا ما أدركه الإسلام منذ قرون. فحين يشعر الفقير أن المجتمع لم يخذله، وأن هناك من يمد له يد العون، فإن ذلك يحد من مشاعر الحقد و الضغينة، ويجعل المجتمع أكثر ترابطا و أمانا.

الزكاة ليست فقط تطهيرا للمال، بل تزكية للنفس، فالمسلم حين يخرج جزءا من ماله طوعا، يكتسب صفة العطاء ويبتعد عن الأنانية والجشع. وهي كذلك تدريب عملي على الإيثار، حيث يتخلى الإنسان عن جزء مما يحب في سبيل الله، فيزداد يقينه بأن الرزق الحقيقي ليس فيما يملكه، بل فيما يبارك الله له فيه.

أخيرا وليس آخرا، الزكاة ليست مجرد نسبة تقتطع من الأموال، بل هي منظومة إصلاحية شاملة، ترسخ مبادئ الرحمة والعدل، وتعالج مشكلات الفقر والبطالة، وتقوي أواصر المجتمع الإسلامي.

لهذا لا بد أن نعيد النظر في كيفية تطبيقها، لأنها ليست عبئا ماليا، بل استثمار في مجتمع أكثر تكافلا و استقرارا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى