شرعية الإعتكاف كل وقت غير رمضان

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين الحي العليم فلا يخفى عليه خافية، السميع البصير سواء عنده السر والعلانية، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن موضوع الإعتكاف، وقد روي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وترك الاعتكاف في رمضان حتى اعتكف العشر الأواخر من شوال “رواه البخاري، وعند مسلم “العشر الأول من شوال”
ونوقش بأن أمره صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه إنما هو إجابة سؤال وليس أمرا ابتدائيا فلا يدل على المشروعية، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما” فدل على أن غير العشر محل لشرعية الاعتكاف، وكذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيما يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين” ولما روى أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فسافر ولم يعتكف فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين” ووجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوما.
فدل على مشروعية الاعتكاف في غير العشر، وليس هذا قضاء للاعتكاف، إذ لو كان قضاء لبادر به صلى الله عليه وسلم، كما هو هدية صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشترطاه الصوم أو عدم اشترطاه لصحة الاعتكاف، وما ورد عن الصحابة رضي الله عنه في اشتراطه الصوم للإعتكاف أو عدم اشتراطه، وهذا مما يدل على شرعية الاعتكاف كل وقت غير رمضان والعشر، إذ العشر لا تكون إلا في رمضان، ورمضان يجب صومه فلو لم يشرع إلا في رمضان أو العشر لم يكن حاجة إلى القول باشتراطه الصوم أو عدمه، ولأن المقصود من الاعتكاف جمع القلب على الله تعالى بالاعتكاف والإقبال عليه والإعراض عما عداه، وهذا حاصل كل وقت، لكن يتأكد في بعض العبادات وله نظير من سائر العبادات تشرع كل وقت.
وتتأكد في بعض الأوقات، ودليل الرأي الثاني والثالث هو حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه” فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتكف إلا في رمضان في العشر الأخير منه حتى توفاه الله، وينقسم الاعتكاف إلى قسمين، فالقسم الأول هو الاعتكاف المسنون، وهذا هو الأصل في الاعتكاف، وقال ابن المنذر “وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا فيجب عليه” وذلك لما تقدم من أدلة مشروعية الاعتكاف، وأما القسم الثاني فإن الاعتكاف الواجب، حيث يجب الاعتكاف بالنذر إجماعا، ولحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه”
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما “أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال “أوف بنذرك”