من حرم خيرها فقد حرم .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار، وكرم الإنسان ورفع له المقدار، وإصطفى من عباده المتقين الأبرار، فأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد إن الفرحة بهذه الأيام الجميلة وهي أيام شهر رمضان المبارك، إنها فرحة لست خاصة بالكبار وحدهم بل حتى أولئك الصغار الذين لم يفرض عليهم صيامها يحسون بتلك الفرحة، فلابد أن تفهم أخي الكريم أن أيام شهر رمضان هي أيام لها طعمها الخاص ويومها وستجد طعم هذه الأيام في مذاقك حلوا لذيذا شهيا سائغا، فإنها أيام تتكرر وشهور تتوالى وسنين تتعاقب، وفي كلها تجد هذا الشهر المبارك ينشر عبيره.

في الأيام والشهور والسنين وإن شئت قل وفي الإنسان، فذاك هو شهر رمضان، شهر الصبر وشهر القرآن وشهر التوبة وشهر الرحمة وشهر الغفران وشهر الإحسان وشهر الدعاء وشهر العتق من النيران، وقد أوشك علي الرحيل، فها هي الأيام تبعث في الشهر المبارك وتنثر بين يديه أنواع الزهور، لتقول كنتم في شهر الرحمة والغفران فماذا صنعتم فيه؟ وإن هناك وفي مدينة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم وفي كل عام تزف البشرى لأولئك الأطهار من الصحابة رضي الله عنهم، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يزفها بشرى إلهية قبل قدوم هذا الشهر المبارك فيقول ” أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبوب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” رواه النسائي.

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان ؟ وكيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران ؟ وكيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين ؟ فتلك هي البشرى التي عمل لها العاملون وشمر لها المشمرون، وفرح بقدومها المؤمنون، فأين فرحتك والشهر ينقضي ؟ وأين ابتسامتك والأيام قد مرت سريعا ؟ وأنت ترى الأيام تجري منك رويدا في شهر رمضان، فيا له من شهر مبارك ومن أجله ” قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن ومن ألم فراقه تئن” فيا لبشرى المدركين لشهر الغفران، ويا لبشرى المدركين لشهر الرحمات، ويا لبشرى المدركين لشهر القرآن، ويا لبشرى المدركين لموسم الطاعات، ويا لبشرى المدركين لأيام كساها رب العباد تعالى مهابة وبهاء وجمالا.

فهل علمت أخي المسلم أن الصالحين كانوا يدعون الله تعالي زمانا طويلا ليبلغهم أيام شهر رمضان؟ فقال معلى بن الفضل رحمه الله كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم، وقال يحيى بن أبي كثير رحمه الله كان من دعائهم “اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه من متقبلا” وكذلك أنت أخي الكريم فادعو كدعائهم وافرح كفرحتهم عسى الله أن يشملك بنفحات رمضان، فيغفر الله لك ذنبك وتخرج من رمضان وقد أعتقت من النار، أما خطر ببالك يوما فضل من أدرك رمضان ؟ وأما تفكرت يوما في عظم ثواب من قدر الله تعالي له إدراك هذا الشهر المبارك ؟ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رجلان من بلي من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما وأخر الآخر سنة.

فقال طلحة بن عبيدالله فرأيت المؤخر منهما ادخل الجنة قبل الشهيد فتعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أليس قد صام بعده رمضان ؟ وصلى ستة آلاف ركعة؟ وكذا وكذا ركعة صلاة سنة ؟ ” رواه أحمد، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري ومسلم، وقال الإمام ابن رجب فإذا إشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه، ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلا على صحة الإيمان”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى