أخر الأخبار

تركيا: أهداف من أنصاف الفرص…ذكاء أردوغان أم غباء معارضيه

تركيا: أهداف من أنصاف الفرص…ذكاء أردوغان أم غباء معارضيه؟

عزت ابو علي – بيروت

أسابيع صعبة مرَّت على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أن أوقف القضاء في إسطنبول رئيس البلدية والمنافس الأوحد لأردوغان أكرم إمام أوغلو بتهم الفساد، لتندلع المظاهرات في كبرى المُدن التركية احتجاجاً على الخطوة القضائية.

لم يُعر أردوغان ولا حزبه أية أهمية للأمر وقابلوا ذلك بالهدوء التام، ليس هذا فحسب، بل، ربطوا الأمر باستقلالية القضاء، وحولوا ما أُعتبر أكبر هزة للحكم في تركيا إلى نقاط قوة في صالحهم.

كعادتها سارعت المعارضة التركية لطلب النجدة من الخارج، لتخسر على المستوى الداخلي كما الخارجي، فالداخل التركي لا يزال يرى في الغرب عدواً لتركيا ومتآمراً عليها مما أفقد حراك خصوم أردوغان رافعة محلية، وأثبت ذلك قصور الرؤية لدى المعارضة التي لم تدرك انعكاس التغيير في الشرق الأوسط على تعامل الغرب مع أردوغان الذي بات لاعباً وحيداً في الملف السوري الحسَّاس واقتراب قواته العسكرية من حدود فلسطين المحتلة ونبرته عالية السقف ضد إسرائيل، وكذلك دوره الأساسي في مفاوضات وقف الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع الدول العربية ويده الطولى في أفريقيا، لذا لم تجد مناشدات المعارضة التركية أية آذان صاغية في عواصم القرار العالمية لنجدتها.

أمور كلها صبت في صالح أردوغان وحكومته وحلفائه، وسط تسريبات مقصودة عن صراعات داخل حزب الشعب الجمهوري لجهة الوشاية بأوغلو، وهو ما أدَّى إلى سقوط إمبراطوريته، وانقسام حزب الشعب الجمهوري إلى عدة أجنحة متصارعة وبروز الخلافات الحادة بينهم، مما دفع المرأة الحديدية داخل أكبر حزب معارض للخروج عن صمتها، حين شنَّت آصلى بايكال ابنة الزعيم الأسبق للحزب دنيز بايكال حرباً شرسة على من قالت إنهم علية القوم داخل الحزب ووصفتهم برجال العصابات المافياوية، الذين تسببوا بسلب أموال الشعب، ثم دعوة هؤلاء الشعب للاحتجاج على اعتقال رؤوس الفساد منهم، والتسبب بتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وطالبت بايكال الدولة التركية بتحصيل الخسائر منهم وبسرعة محاسبتهم.

أمرٌ يُريح أردوغان بالطبع، الذي حضَّر بحسب مصدر في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لضربة قاضية لخصمه حزب الشعب الجمهوري، فأردوغان لا يمكنه تجاهل خسارة أكبر ثلاث مدن في البلاد وهي أنقرة عاصمة البلاد السياسية والعاصمة الاقتصادية اسطنبول وفشله في الاستحصال على عاصمة حزب الشعب الجمهوري إزمير التي لا تزال عصية على رجل تركيا القوي وحاكمها المُطلق منذ أكثر من عقدين من الزمن.

تخرج ضربة أردوغان مجدداً من تحت عباءة حليفه القومي دولت باغجة لي، الذي إن قال تركيا حطَّمت القيود المفروضة عليها وحان وقت سن دستور مدني جديد للبلاد، فماذا يعني ذلك؟

من المعروف أن باغجة لي لا يعلن عن مبادرة إلا بعد استكمال تفاصيلها في الكواليس كمبادرة الصلح مع الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، والمباردة الحالية كذلك تنطبق عليها القاعدة نفسها، فبعد أن كسبت حكومة أردوغان مع حليفها حزب الحركة القومية الذي يتزعمه باغجة لي وِدَّ حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب كانت الناس تنتظر شيئاً ما، فعملية السلم الأهلي التي بدأها ونجحت إلى حد كبير تحتاج إلى استكمالها بسنِّ دستور جديد يرسِّخ الأخوة التركية – الكردية بنص الدستور كي لا تبقى تلك الأحلام مجردَّ أحاديث ومجاملات، ويلفت المصدر إلى أنَّ هذه المبادرة لا زالت طازجة وستظهر تفاصيلها في الأيام القليلة المقبلة.

في الثاني عشر من سبتمبر – أيلول من العام 1980 قام رئيس الأركان العامة التركي الأسبق كنعان إيفرين مع مجموعة من كبار الضباط بانقلاب عسكري وسقطت حكومة سليمان دميرل المنتخبة بيد الانقلابيين، ليتمَّ بذلك وضع دستور جديد لتركيا، ظلَّ عصيَّاً على التغيير حتى العام 2017، حين نجح أردوغان في السادس عشر من أبريل – نيسان من ذلك العام بإجراء استفتاء دستوري على مجموعة من 18 تعديلاً مقترحاً على دستور تركيا، كان قد اقترحها منذ فترة طويلة حزب العدالة والتنمية الحاكم وزعيمه، فضلاً عن موافقة حزب الحركة القومية عليها، لتمرّ التعديلات بأكثرية أصوات الشعب، لكن رغم ذلك ظلَّ دستور إيفرين هو المُتحكم بتركيا لغاية اليوم.

ويُتابع المصدر حديثه بالقول، إنَّ أردوغان أمام اختبار تاريخي لتسديد كرة من نصف فرصة ليُسجِّلَ هدفاً قاتلاً في مرمى معارضيه الذين يُطالبون بانتخابات مبكرة، غير معروفة النتائج، عبر الاستفتاء على الدستور الجديد ليُضيف انتصاراً جديداً إلى سجلاته ضد معارضيه ويُبعدهم عن التفكير بالمطالبة بانتخابات مبكرة.

وحول مدى نجاح أردوغان بذلك يؤكد المصدر أن الاستفتاء سيكون في صالح الحكومة، حيث يبلغ عدد نواب البرلمان الحالي من أجزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والحزب الكردي ما مجموعه 376 نائباً وهو رقم كافٍ لسن دستور جديد للبلاد مع عرضه على الاستفتاء ليقول الشعب كلمته الأخيرة ويُصوِّت بـ “نعم”، خاصة وأن آخر استطلاعات للرأي أظهرت أنَّ شعبية هذه الأحزاب تتخطى نسبة الـ 60% على أقل تقدير، وهذا يعني قبوله من الشعب، مع اعتبار بأنَّ نسبة أخرى لا يُستهان بها من الشعب سيصوت بـ “نعم” لصالح الدستور الجديد خاصة ممن يرون في المعارضة أدوات للخارج وكذلك الأحزاب الصغرى التي تؤيد أردوغان، وبالطبع فإنَّ النتيجة ستُعتبر انتصاراً ساحقاً لأردوغان واختباراً لمدى قدرته على التأثير في الناخبين الأتراك ونجاح سلامه مع الأكراد، مما سيضمن لحكومته استمرارية قيادة البلاد في الاستحقاقات الانتخابية المُقبلة سواء كان التعديل سيمنحه فرصة للترشّح للرئاسة مرة أُخرى أو تخليه عن ذلك لصالح من يُفاضل بينهما، ساعده الأمني القوي السابق سليمان صويلو أو وزير خارجيته الحالي وعقله الاستخباراتي السابق وكاتم أسراره حقان فيدان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى