الوطن هو جنة الله على الأرض .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي حث عباده على الإعتصام بالكتاب والسنّة، أحمده سبحانه وأشكره ذو الفضل والمنّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعاذ عباده من شر الناس والجنّة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله قائد المؤمنين ودليل الملة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في السراء والملمّة أما بعد إن الوطن هو جنة الله على الأرض، وإن الشهيد هو حبيب إلى الله حبيب إلى خلقه، يضوع الحب من قلبه كأنه بخور من أبخرة اليمن، لا يعرف ما هو الحقد أو الكره أو الحسد، يسعى بين الناس زارعا في نفوسهم المحبة والعطف والشفقة والإباء والعلو عن الرذائل والتسامي بالفضائل، يعلمهم بالاقتداء، فلا يعرف ما الأمر ولا النهى، ولكنهم يحبونه فيأخذون عنه ما يفعل وما يصنع، ويوطنون أنفسهم ليكونوا أشباهه الأربعين.
الذين لا نهاية لهم في علم الحساب، فيكون الناس جميعهم شهداء في الفضائل والأخلاق والتعامل الراقي الذي لا سبيل لرقي الأمة إلا باتباعه، وإن فكرة الاستشهاد فى سبيل الدفاع عن الوطن متجذرة وعميقة فى نفوس المصريين، وعلى رأسهم من يلتحقون بالكليات العسكرية، الذين يعتبرون أنفسهم مشاريع شهداء، دفاعا عن أمن الوطن وشعبه، فإنك لو سألت نفسكَ أو سألك بعض الناس من هو الشهيد؟ أو قالوا لك عرّف لنا الشهيد ماذا ستقول لهم؟ فإنه من المؤكد أنك تحفظ كثيرا الأقوال الكثيرة التي تتحدث على الشهيد، فهل جربت أن تسمع من الشهيد نفسه تعريفه لنفسه كما يرى هو نفسه؟ هل جرّبت أن تعاين من كثب ما كان يعاني الشهيد قبل أن يفيض روحه إلى باريه بلحظات؟ هل سمعته ماذا يقول؟ من المؤكد أنك إن عشت حياتك بعيدا عن أولئك السادة النبلاء.
وتكتفي بسماع ما يقوله عنهم الخطباء وأشباههم، فأنت لم تعرف معنى الشهيد الحقيقي، فالشهيد الحقيقي هو ذلك المجهول الذي لا يعلم حتى هو أن الشهادة ستكون من نصيبه، أو كانت من نصيبه بلفظ أدق، وأن الشخص المستعد للشهادة يتماهى مع الوطن وتكون حياته بالنسبة له رخيصة فى سبيل الدفاع عن أمنه وسلامته، وإن فى بلد ذى تاريخ عريق مثل مصر، تعرض لمنعطفات تاريخية كبيرة وموجات غزو واحتلال، فإن فكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله لها جذور ثقافية ونفسية عميقة لدى أفراد هذا الشعب، الذى يقدر التضحية من أجل الوطن بأغلى أنواع التضحية، وهى التضحية بالحياة نفسها، فالشهيد له منزلة كبيرة فى نفوس المصريين، والتاريخ الإسلامى كان حافلا بالشهداء العظماء، الذين تلقوا تكريما يليق بهم، ومنهم حمزة بن عبد المطلب.
عم النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والإمام الحسين بن على رضى الله عنه، والكثير والكثير من الشهداء من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وكما ظل الشهيد له مكانة كبيرة جدا فى التاريخ المصرى الحديث، فنرى الشهيد عبدالمنعم رياض الذى أحبه المصريون وترسخ فى وجدانهم، وهناك نموذج الشهيد عاطف السادات، الشقيق الأصغر للرئيس الراحل أنور السادات، الذى استشهد فى طلعة جوية فى حرب أكتوبر، وكان من أوائل من استشهدوا فى هذه الحرب، وقد كان يمكن لأخيه الرئيس أن يبعده بنفوذه عن المشاركة فى الحرب ومخاطرها أصلا، إلا أنه لم يفعل ذلك، نظرا للمكانة الكبيرة فى نفوس المصريين لفكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله، وإن من يهب نفسه للدفاع عن بلده يعتبر هو مشروع شهيد وتهون عليه حياته حفاظا على الأرض والعرض.
وفى ثقافة المصريين ودينهم ما يعزز ذلك، فالآية الكريمة تقول ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” وذلك ما يعنى أنه حى وفى وضع أفضل بكثير جدا، والأكثر من ذلك أنه وفقا للمعتقدات الإسلامية فإنه سيشفع لسبعين من أهله ليدخلوا معه الجنة، وما أعظمها من منزلة، وقد يبدأ الوعى بفكرة الاستشهاد وقيمتها عند من يهبون أنفسهم للشهادة فى سبيل الوطن عندما يقرر أحدهم مثلا الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، ونسأل الله عز وجل أن يحفظ لنا مصرنا الحبيبة جيشا وشعبا وقائدا وأن يجعلها أرض أمن وأمان وسائر بلاد المسلمين اللهم آمين.