الزهرة العناق تكتب : الطلاق العاطفي

 

الطلاق العاطفي هو فراق الأرواح تحت سقف واحد.

في صمت الغرف، حيث لا يعلو سوى صوت الساعة، تنام العلاقة على سرير بارد، مغطاة بلحاف من المجاملات اليومية و الواجبات الاجتماعية. ليس كل فراق يحتاج لمحكمة و مسطرة و مطرقة، ثمة طلاق لا يعلن، لكنه أكثر وجعا من آلاف الوثائق الموقعة إنه الطلاق العاطفي.

الطلاق العاطفي ليس حدثا عابرا، بل عملية تآكل بطيئة، تبدأ بنظرة فارغة، ثم تنهار معها الحوارات و تتساقط الكلمات كسقوط أوراق الخريف، تجف المشاعر، وتصبح العلاقة مثل شجرة بلا جذور، قائمة على العادة، لا على المحبة. يصبح فيها الزوجين غريبين يتبادلان أدوار التمثيل يوميا على خشبة مسرح الحياة، دون سيناريو.

أخطر ما في هذا النوع من الطلاق، أنه لا يصنف كأزمة في نظر المجتمع، كل شيء يبدو طبيعيا من الخارج: حضور المناسبات، وتبادل التحية، والحرص على الأبناء. لكن الداخل مهجور، كأن الأرواح هجرت بعضها وأبقت الأجساد معلقة.

المرأة في هذا الطلاق غالبا ما تكون أكثر ألما، إذ تحمل مشاعرها بصمت، لأن التعبير عنها قد يقابل بالاستهزاء أو التجاهل. والرجل بدوره قد لا يدرك حجم الفجوة، أو يهرب منها بالصمت، ظنا أن الهدوء يعني السلام.

ولا يولد الطلاق العاطفي فجأة، بل يتغذى على التراكمات الصغيرة: خيبة لا تناقش، كلمة جارحة لم يعتذر عنها، تجاهل متكرر للحاجات العاطفية، انشغال دائم بالشاشة، وانعدام المبادرات. حتى تصبح العلاقة صحراء من الصمت.

الحل ليس بالضرورة الطلاق الرسمي، بل العودة إلى الصدق العاطفي، والجرأة في مصارحة الشريك بما يؤلمه، وما يفتقد. أحيانا، نحتاج فقط إلى أن نسأل: “كيف حال قلبك معي؟”، دون خوف من الجواب.

الطلاق العاطفي قضية صامتة، لا تدون في المجلدات و لا يخصص لها جلسات في المحاكم، لكنها تترك أطفالا يترعرعون في مناخ بارد، و قلوبا تمضي في الحياة وهي تحمل إسم الزواج، دون أن تتذوق معناه.

أخيرا وليس آخرا، العلاقات الزوجية ليست لوحة فنية تعلق على الجدار وتنسى، بل حديقة تحتاج سقيا يوميا، ورعاية مستمرة. لا تنتظر أن ينهار الجدار لترممه، ولا أن يخفت الوهج لتبحث عن ضوء بديل. ابحث عن الشرارة في التفاصيل، في لمسة يد، في كلمة طيبة، في لحظة إنصات، في احتواء، في همسة، في ابتسامة صادقة، في تقدير و امتنان لكلا الطرفين.

ولمن يشعر بأنه يعيش الطلاق العاطفي، لا تسكت طويلا، ولا تداوي الجرح بالتجاهل. تحدث، ناقش، واجه، و أعد ترميم جسور الروح قبل أن تغرق في صمت لا يجدي نفعا.

الحب لا يموت، بل يغتال حين نهمله. و القلوب لا تهاجر، إلا حين يغلق باب الشعور. فكن مفتاحا، لا قفلا في حياة من سلمك قلبه يوما ما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى