تحقيق يكشف كيف أنشأت إسرائيل “منطقة قتل” على حدود غزة

شهادات جنود تكشف عملية ممنهجة لتدمير آلاف المباني وتجريف الأراضي الزراعية وتحويل الحدود إلى "أرض موت"

“لم أعد واثقًا إن كنا نحارب مقاتلين أم نسحق مدينة بأكملها”.. بهذه الكلمات بدأ أحد جنود الاحتياط شهادته، في تحقيق أجرته منظمة “كسر الصمت” الإسرائيلية، ليكشف تفاصيل ما جرى في الظل على أطراف قطاع غزة.

وراء دخان المعارك وجدران الصمت الرسمي، كانت إسرائيل ترسم حدودًا جديدة بالنار والجرافات، وتعيد تشكيل خريطة غزة عبر ما تصفه بـ”المنطقة العازلة”، ويصفه الجنود بـ”منطقة القتل”.

خط نار جديد.. وعمق أكبر بثلاثة أضعاف

وبحسب الشهادات التي تضمنها التحقيق، فإن الجيش الإسرائيلي بدأ، في أواخر 2023، بإنشاء منطقة أمنية على امتداد الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، بعمق يتراوح ما بين 800 و1500 متر داخل الأراضي الفلسطينية، مقارنة بـ300 متر فقط كانت تُعتبر منطقة عازلة قبل الحرب.

كما وصف الجنود هذه المنطقة بأنها “أرض مكشوفة للقتل”، أحد الضباط قال: “كل من يدخل هذه المساحة يُعتبر مهددًا.. لا نترك شيئًا قائمًا فيها.”

تجريف شامل.. “لم نترك شجرة أو مبنى قائمًا”

ولم تقتصر عمليات الجرافة على هدم المنازل، بل امتدت لاقتلاع الحقول وتدمير كل بنية تحتية قائمة، جنود شاركوا في العمليات قالوا إنهم تلقوا أوامر “بإزالة كل شيء يمكن أن يختبئ خلفه شخص”.

كما وصف أحدهم وصف الأمر قائلًا: “الأوامر كانت أن كل ما تراه عينك يجب أن يختفي، كأننا نحول غزة إلى أرض خالية”.

وبحسب معطيات نشرتها منظمة “جيشاه-مسلك”، فإن نحو 3500 مبنى تم تدميرهم، بينما جرى تجريف 35% من أراضي غزة الزراعية، خاصة تلك التي كانت تنتج الزيتون والخضروات.

مشاهد من فيلم كارثي.. “هذا ليس قتالًا بل تسوية كاملة للأرض”

وتكررت أكثر من شهادة فيها عبارات مثل “كأننا في فيلم نهاية العالم”، و*”المشهد كان أشبه بهيروشيما بعد القنبلة النووية”*. أحد جنود الهندسة العسكرية قال: “استخدمنا جرافات ضخمة ومواد متفجرة لتفجير بنايات كاملة.. لم نكن نترك فرصة لشيء أن ينجو”.

كما تحدث الجنود عن استخدام آلاف الألغام وأدوات التدمير، في عمليات كانت تُنفذ دون وجود مقاومة فعلية، بل كإجراء استباقي لخلق ما يشبه “حزامًا ناريًا” دائمًا داخل غزة.

هل هي خطة دفاعية أم تغيير في الواقع الميداني؟

وفي غياب أي رد رسمي من الجيش الإسرائيلي على مضمون التحقيق، تزداد التساؤلات حول ما إذا كانت هذه المنطقة مجرد “إجراء أمني مؤقت”، أم خطوة نحو تغيير طويل الأمد في معالم القطاع.

كما يرى خبراء في القانون الدولي أن “محو قرى وأحياء كاملة وتجريف أراضٍ زراعية يخرج عن إطار الدفاع الذاتي، ويدخل في نطاق العقاب الجماعي أو حتى التهجير الممنهج”.

ختامًا.. ماذا بعد الدمار؟

ورغم ما وصفه الجنود بأنه “نجاح تكتيكي في تأمين الحدود”، إلا أن المشهد في غزة يشير إلى مأساة أوسع، حيث تُرك عشرات الآلاف من السكان بلا مأوى، ودُمرت مصادر رزقهم، في منطقة يصعب تصور عودتها للحياة قريبًا.

ومع صمت السلطات الإسرائيلية وغياب ردود الفعل الدولية الحاسمة، يبقى السؤال: هل هذه “المنطقة العازلة” ستكون مجرد فصل من فصول الحرب، أم مقدمة لواقع دائم يراد فرضه بقوة السلاح والخراب؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى