وما كان المؤمنون لينفروا كافة .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

 

الحمد الله الذي أسكن عباده هذه الدار وجعلها لهم منزلة سفر من الأسفار وجعل الدار الآخرة هي دار القرار، فسبحان من يخلق ما يشاء ويختار ويرفق بعباده الأبرار في جميع الأقطار وسبق رحمته بعباده غضبه وهو الرحيم الغفار، أحمده على نعمه الغزار، وأشكره وفضله على من شكر مدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المختار، الرسول المبعوث بالتبشير والإنذار صلى الله عليه وسلم، صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والأبكار، إن الجهاد في سبيل الله تعالي من فروض الكفايات التى يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد، وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارات المصيرية، حيث ينظرون فى مدى الضرورة التى تدعو إليه.

من صد عدوان أو دفع طغيان، فيكون قرار الجهاد مدروسا من جميع جوانبه ومآلاته دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا جبن أو خور أو ضعف، وبلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها خطام الحكمة أو زمام التعقل، وهم مثابون فيما يجتهدون فيه من ذلك على كل حال، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، وإن قصروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يتورك عليهم فى ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن من أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يحسن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عُدّ ذلك افتئاتا على الإمام، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد، ولو كلف مجموع الناس بالخروج فرادى من غير استنفارهم من قبل ولى الأمر.

لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى فى كتابه الكريم من سورة التوبه “وما كان المؤمنون لينفروا كافة” ومع ما فى هذا التصرف من الوقوع فى الهلكة، وإهمال العواقب والمآلات، والتسبب فى تكالب الأمم على المسلمين، وإبادة خضرائهم، والولوج فى الفتن العمياء والنزاعات المهلكة بين المسلمين التى تفرزها قرارات القتال الفردية الهوجائية هذه، ومن المعلوم شرعا وعقلا وواقعا أن التشتت وانعدام الراية يُفقد القتال نظامه من ناحية، ويُذهب قيمه ونبله ويشوش على شرف غايته من ناحية أخرى، وإن الجهاد له أربع مراتب، وهما جهاد النفس، والشيطان، والكفار والمنافقين، وأصحاب الظلم والبِدع والمنكرات، وأما عن جهاد النفس، فقد تكلم العلماء في نوعي الجهاد، الظاهر والباطن لأهمية النوعين خصوصا الباطن.

وقد قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، لمن سأله عن الجهاد ” ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها ” وقال بقية بن الوليد ” اخبرنا إبراهيم بن ادهم حدثنا الثقة عن علي بن أبي طالب قال ” أول ما تنكرون من جهادكم جهادكم أنفسكم ” وروى سعد بن سنان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ليس عدوك الذي إذا قتلته ادخلك الجنة، واذا قتلته كان لك نورا، اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ” وقال أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب حين استخلف “إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك ” فهذا الجهاد يحتاج أيضا إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه وحصل له النصر والظفر، وملك نفسه، فصار عزيزا ملكا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غلب وقهر وأسر، وصار عبدا ذليلا أسيرا في يدي شيطانه وهواه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى