الزهرة العناق تكتب: الثقافة مسؤولية و رسالة سامية

في عالم السرعة و التكنولوجيا و تلوث العقول، كثيرون هم من يعتبرون أن الثقافة ترف يليق بأوقات الفراغ، إلا أن الثقافة في جوهرها، ليست مجرد حالة معرفية ننتقل إليها متى رغبنا، بل هي رسالة حية، ومسؤولية أخلاقية و إنسانية لا تقل أهمية عن أي التزام تربوي اجتماعي آخر.
الثقافة ليست مجرد كتب تقرأ، أو معارض فنية تزار، أو عروض مسرحية تشاهد. إنها وعي يبنى، و إدراك يهذب، ومساحة يتكون فيها الإنسان. إنها القدرة على تمييز الحق من الباطل، والجميل من القبيح، والحقيقة من الخداع. إنها قبل هذا وذاك، مشروع تربوي أخلاقي طويل المدى، لا تنضج ثماره في فرد منعزل بعينه، بل تتجلى قوتها في تأثيرها داخل المجتمع.
من يقرأ ليعرف، عليه أن يقرأ ليغير. ومن يكتب ليبهر الآخر، عليه أن يكتب ليحرر العقول من الأمراض الخبيثة. ومن يحمل هذه الرسالة على كاهله، عليه أن يدرك أن عليه أن يكون مسؤولا عن النهوض بالوعي، لا أن يكتفي بالاستعراض.
إن الثقافة تنتج في لحظة صدق مع الذات. لحظة يشعر فيها الإنسان أن عليه واجبا أكبر من مجرد نيل الإعجاب أو نحت الإسم على جدران الشهرة.
الثقافة ليس فقط موقف من الحياة، بل كل ما يعيق الحياة: الجهل، الخوف، التبعية، و الانغلاق. الثقافة الحقيقية لا تتكئ على كم معرفي، بل على رؤية نقدية، وشجاعة في الموقف، و قوة في تبليغ الرسالة.
أخيرا وليس آخرا، الثقافة مسؤولية. لذا علينا أن لا نسلم وعي الأجيال القادمة إلى الفراغ، ولا نسمح أن تسرق ذائقتها على يد التافه و المزيف. مسؤولية أن نكون نحن، كأفراد، جسورا بين ما ينتج من فكر راق وما يحتاجه المجتمع من وعي ملهم.
فلتكن الثقافة في كل بيت، وفي كل عقل، وفي كل ضمير، كرسالة تربوية لا تنطفئ و ليس كترف مؤقت.