الصدق في جهاد أعداء رب العالمين.. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي يمن على من يشاء بالأولاد ويجعلهم فتنة يتبين بها الشاكر الذي يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد والمهمل الذي يضيعهم ويتهاون بمسئوليتهم، فيكونون عليه نقمة وحسرة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ولقد فطر الله عز وجل الإنسان على أمور عديدة، من تلك الأمور أن يحب المرء ماله وولده وأقاربه وأصدقاءه، ومن هذه الأمور كذلك حب الإنسان لموطنه الذي عاش فيه وترعرع في أكنافه، وهذا الأمر يجده كل إنسان في نفسه، فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم، ويغضب له إذا انتقص، ومهما إضطر الإنسان إلى ترك وطنه فإن حنين الرجوع إليه يبقى معلقا في ذاكرته لا يفارقه، ولذا يقول الأصمعي ” قالت الهند، ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات.
الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيدا، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدبا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعا” وهذا الأمر وهو حب الإنسان لوطنه غريزة في بني الإنسان، وجدها أفضل الخلق صلوات ربي وسلامه عليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لمكة ” ما أطيبك من بلد، وما أحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك” فهو صلي الله عليه وسلم يحب مكة حبا شديدا، وكره الخروج منها لغير سبب، ثم لما هاجر إلى المدينة وإستوطن بها أحبها وألفها كما أحب مكة، بل كان يدعو أن يرزقه الله حبها فقال صلي الله عليه وسلم ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد” ودعا عليه الصلاة والسلام بالبركة فيها وفي بركة رزقها كما دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لمكة.
ونلاحظ أن حب النبي صلي الله عليه وسلم متأثر بالبيئة التي عاش فيها، فقد كان يحب مكة ويحن إليها، ثم لما عاش في المدينة وألفها أصبح يدعو الله تعالي أن يرزقه حبا لها يفوق حبه لمكة، وكذلك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لغزوة أو نحوها تحركت نفسه إليها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته أي أسرع بها وإذا كانت دابة حركها ” رواه البخاري، وقيل ” حركها من حبها ” وهذا فيه دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه، واعلموا يرحمكم الله أن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين.
وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل إنتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، وكما لو إستنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين.