هل الوطن يعرف حقيقة حب أبنائه له

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد إننا لو نظرنا إلى تاريخنا لرأينا الكثير من الأبطال والمجاهدين الذين سقوا أرضهم بدمائهم، للدفاع عنها، وتحريرها من الاستعمار، فكل هذا نابع من حب الوطن والتضحية من أجله بالدماء والأرواح، فلا يمكن التهاون مع من يسرق الأوطان ويستعمرها، وليس علينا أن نخاف إذا قمنا بإنشاء جيل يضحي بكل ما يملك من أجل الوطن، فهو تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا الذي سيصنع أمجادنا، ويسطرها على مر الزمان تعبيرا عن حب الوطن، فإن حب الوطن، والالتصاق به.

والإحساس بالانتماء إليه هو شعور فطري غريزي، يعم الكائنات الحية، ويستوي فيه الإنسان والحيوان، فكما أن الإنسان يحب وطنه، ويألف العيش فيه، ويحن إليه متى بعد عنه، ولأن حب الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه، فإنه ليس من الضروري أن يكون الوطن جنة مفعمة بالجمال الطبيعي، تتشابك فيها الأشجار، وتمتد على أرضها المساحات الخضراء، وتتفجر في جنباتها ينابيع الماء، لكي يحبه أبناؤه ويتشبثوا به، فقد يكون الوطن جافا، أرضه جرداء، ومناخه قاس، لكن الوطن رغم كل هذا، يظل في عيون أبنائه حبيبا، وعزيزا، وغاليا، مهما قسا ومهما ساء، ولكن هل الوطن يعرف حقيقة حب أبنائه له؟ ولكن هل الوطن يعرف حقا أنه حبيب وعزيز وغالى على أهله؟ فإن الحب لأي أحد أو أي شيء لا يكفي فيه أن يكون مكنونا داخل الصدر، ولابد من الإفصاح عنه.

ليس بالعبارات وحدها وإنما بالفعل، وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحب المكنون له، والوطن لا يختلف في هذا، فهو يحتاج إلى سلوك عملي من أبنائه، يبرهن به الأبناء على حبهم له، وتشبثهم به، وقد قال الشاعر في حب الوطن بدم الأحرار سأرويه وبماضي العزم سأبنيه وأشيده وطنا نضرا وأقدمه لابني حُرّا فيصون حماه ويفديه بعزيمة ليث هجّام، ومن واجب الدولة أيضا أن تحافظ على الوطن وتحميه، وأن تعد له الجيل القوي المتين، عن طريق إعداد الشباب، وتدريبهم، وتعليمهم فهم الحامى الأول والراعي له، وبالإضافة إلى ذلك فإن للوطن حقوقا على الآباء والأمهات حيث يتوجب عليهم أن يعلموا أبناءهم حب الوطن، وأن يغرسوا في قلوبهم القيم والمبادئ التي عليهم إتباعها، ويجب أن يحرصوا على بناء أولاد أقوياء أصحاء، جاهزين لخدمة الوطن في أي وقت كان.

وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه، لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلا، ومن أجله تضحي بكل غالى ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلا عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، فالكل يحب وطنه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى