الدكـــروري يكتب: إذ تستغيثون ربكم فإستجاب لكم

الحمد لله خلق الخلق فأتقن وأحكم، وفضّل بني آدم على كثير ممن خلق وكرّم، أحمده سبحانه حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، يليق بجلاله الأعظم، وأشكره وأثني عليه على ما تفضل وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأعز الأكرم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله المبعوث بالشرع المطهر والدين الأقوم، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد لقد كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في غزوة بدر الكبري كان عدوهم أكثر منهم عددا وأقوى عدة وكان جيش المشركين ثلاثة أضعاف جيش المؤمنين ولكنهم لما لجأوا إلى ربهم وإستغاثوا به نصرهم الله عز وجل على عدوهم رغم هذا الفارق المادى الكبير، فى العدد والعدة، لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوانى عن مشاورة أصحابه.
في جلائل الأمور وخاصة فى المواقف الخطيرة كغزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق فكان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ بمبدأ المشاورة إمتثالا لأمر ربه عز وجل ولذلك كانت بركات هذا المبدأ تنزل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه نجاحا وفلاحا وفوزا في الأمور ونصرا وظفرا في المعارك، وأن الأمر كله لله فالمُلك ملكه والخلق عبيده فالخلق مفتقرون كلهم إلى الخالق وهذه هى حقيقة العبودية وهى حقيقة عرفها المؤمن وإمتثل لها وعاندها الكافر وتمرد عليها وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموقف العظيم يعلمنا هذا الدرس الجليل مهما كانت الأحوال فان إظهار الإفتقار إلى الرب عز وجل والتضرع بين يديه والتذلل له سبحانه وإظهار الضعف بين يديه والحاجة إليه والإستغاثة به عز وجل، فهذه كلها أمور مطلوبة من المؤمن مهما كانت الأحوال.
فالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم مع يقينه بالنصر، حتى إنه حدد المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين ومع ذلك يقف بين يدى ربه يدعو ويلح في الدعاء والتضرع والإستغاثة وببركة هذه الإستغاثة من النبى صلى الله عليه وسلم وببركة إستغاثة الصحابة الكرام إستجاب لهم الله تعالى فنصرهم وأيدهم على الرغم من ذلتهم والمقصود بالذلة هو ضعف القوة وقلة العدد فيقول تعالى كما جاء فى سورة الأنفال” إذ تستغيثون ربكم فإستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين” فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هى التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فيا بن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان.
فإن في سيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم العطرة وآثاره الجميلة الجليلة النضرة أسوة للمؤمنين، وقدوة للأخيار والصالحين، سيرة خير الورى حبيب الله جل وعلا، سيرة مُلئت علما وحكمة وإيمانا، سيرة ملئت ثباتا وصبرا ويقينا، سيرة ملئت حلما ورحمة وبرا وفضلا وإحسانا، سيرة خير الورى حبيب الله جل وعلا، ثلاثة وعشرون عاما حمل فيها رسالة الله تعالى، وبلغ فيها شريعة الله، ما ترك باب خير إلا دلنا عليه، ولا سبيل رشد إلا هدانا إليه، فصلى الله عليه وسلم تسليما، وزاده تشريفا وتكريما وتعظيما، وإن من عظات يوم بدر أن الصبر مفتاح الفرج، فما ضاقت الأمور على من صبر، فالصبر مفتاح الخير، وتعلمنا من غزوة بدر أن مع العسر يسرا، وأن عاقبة الصبر خير، فقال تعالى ” واصبر وما صبرك إلا بالله” فصبر حبيب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر الله عينه، ونصر الله حزبه.