وزن مداد العلماء ودم الشهداء يوم القيامة .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمدك اللهم حمدا ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء، وأشكرك وأستغفرك، وأشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، ولا حول ولا قوة إلا بك، بك نحول، وبك نصول، وبك نقاتل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدك ورسولك الذي جاهد في الله حق جهاده، جاهد بسيفه ولسانه وسنانه، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أما بعد إن مما يعادل أجور الشهداء ويوزن بدمائهم يوم القيامة أحبار أقلام العلماء، فقال الحسن رضي الله عنه ” يوزن مداد العلماء، ودم الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء ” ثم إن أصحاب نبى الله عيسى عليه السلام الذين علموا صدق نبوته ورسالته راحوا يسألون ربهم أن يكتبهم مع الشاهدين بعد أن آمنوا به، واتبعوا رسوله، وشهدوا بأنهم مسلمون.

وكذلك الذين جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا نصارى كانوا كما جاء فى سورة المائدة ” إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين” ولهذا أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نقيم البينات لإثبات الحقوق بالشهداء، إما بشهيدين من رجالنا، أو برجل وامرأتين، أو بشاهد واحد ويمين، أو بأربعة شهداء، وفق الحالة والنص الوارد فيها، وقيل عن الشهيد أن التسمية عائدة لكون الشهيد يشهد بدمه أنه من الصادقين، فكما أن الشهود في توثيق الحقوق يثبتون ما كُنب على الشهادة بتوقيع خاص بهم، أو حتى ببصمتهم فإن الشهيد يوقع على صدقه مع الله تعالى بدمه، فدمه شهيد على حبه لربه، ودلالة إيثاره ما عند الله تعالى على ما عنده، ثم إن الشهيد يبعث يوم القيامة وله شاهد بقتله، وهو دمه.

لأنه يُبعث وجرحه يتفجر دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فمعلوم أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث يوم القيامة عليه، وإن هذا السر إذا أضيف إلى سابقه شقّ اليقين شغاف قلبك أن للشهيد توقيعين يشهدان له عند ربه، توقيع في الدنيا يتمثل في قطرات دمه، وأشلاء جسده، وتوقيع آخر في ساحة الحشر، وكأن مداد التوقيع الأول يبقى ساريا إلى يوم القيامة، وأن المسلم مطلوب منه أن يؤدى شهادة لأحقية هذا الدين في البقاء، وحمله لرسالة الخير والنور فى الناس، وهو لا يؤدى هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه وأخلاقه وحياته صورة حية لهذا الدين، إذا رآها الناس عليه شهدوا لهذا الدين بالكمال والجمال وقالوا ما أطيب هذا الدين الذى يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخُلق والكمال، ثم إذا رأوه يُؤثر القتل على الحياة من أجل بقاء هذا الدين.

تأثروا به، وساروا على نهجه، وسموه شهيدا، لشهادته بأن هذا الدين الجميل خير من الحياة ذاتها، بعد أن قام بشهادة الحق في أمر الله تعالى حتى قتل، وقد ذكر النووي وغيره أن الصالحين شهدوا للمقتول في سبيل الله بالإيمان في حياته، وبخاتمة الخير عند موته، على ما ظهر من عمله، ذلك أن ألسنةَ الخلق هى أقلام الحق، فلهذه الشهادة من أهلها سمي من ضحّى بنفسه شهيدا، فعن أبي الأسود رضى الله عنه قال ” قدمت المدينة وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فمرت بهم جنازة، فأثنى على صاحبها خيرا” لأن الشهيد يشهد حاضرا بنفسه ما أعد الله تعالى له من الكرامة بالقتل فقد أخبرنا القرآن أن عموم الشهداء “أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوف عليهم، ولا هم يحزنون”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى