تربية إنسان .. بقلم الكاتبة/ الزهرة العناق

تربية إنسان ليست بكثرة الضجيج و لا فعلا متكررا يصاغ على قوالب محفوظة، بل هي فن ينحت في اللوح مدى الحياة، و يغزل من سكون النية رداء للغد. إنها رسالة لا يحملها إلا الحكيم.
تربية إنسان لا تبدأ حين تولد، بل حين يولد في قلبك سؤال: أي أثر سأترك في هذه النفس؟
هي أن تنبت فيك بدرة التجلد من غير قسوة، والرقة من غير ضعف، والكرامة من غير غرور.
أن تلقن الآخر الصمت ليس حين يعجز، بل حين يكون الصمت رجاحة. وتعلمه النطق ليس حين يسأل، بل حين يحتاج لصدق يقال.
تربية إنسان ليست تزويدا بمعرفة متاحة،
بل شحن للبصيرة كي ترى من وراء الحروف ضوء الأخلاق،
وتهذيب للنفس حتى تنحني لا عن وهن، بل عن رحمة،
وأن تسجد لله وحده .
تربية إنسان لا تختزل في الأوامر، بل تتجلى في الأسئلة التي توقظ فيه الحب لا الخوف،
وفي الثقة التي تمنح قبل أن تستحق،
وفي السقوط الذي لا يقابل بالتقريع، بل بجبر يعلم النهوض.
من يربي إنسانا كأنه بنى مجتمعا متماسكا،
لا يشغله الطلاء، بل الأساس،
لا يهمه البريق، بل العمق،
لا يتعجل الحصاد، لأنه يعلم أن الثمار لا تنضج قبل نضج جذورها.
من يربي إنسانا، ينشئ القلب على حذر من الغرور،
و ينشئ العقل على نفور من الخنوع،
ويغذي الروح على يقين بأنها خلقت لشيء أكبر من الأكل والنوم والتنافس على السراب.
تربية إنسان، هي أن تصنع فيه جناحين:
واحد يحلق به نحو المجد،
وآخر يكبحه حين يتعالى.
هي أن تترك في قلبه أثرًا لا يمحى،
وصوتا داخليا يرشده حين لا تكون،
وإرثا من القيم، لا يباع ولا يشترى.
فإن رزقت قلبا يحب أن يربي،
فاعلم أنك تمارس أقدس أنواع الخلق،
وأنك لا تنحت بشرا، بل تصوغ رجاء الدنيا.