الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب وأنزله في أوجزِ لفظ وأعجزِ أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن أحكام الغسل والصلاة علي الشهيد، وأما عن شهيد الجو، فإن لشهيد الجو من الفضل، مثل ما لشهيد البحر، لأن في ركوب الطائرة من الأخطار، والتعرض للتميد والقيء، مثل ما في ركوب الباخرة، بل قد يكون الخطر في ركوب الطائرة أعظم، فالطائرة تقع أحيانا في مطب جوي، فترتج ارتجاجة، تنخلع لها القلوب.
ومن الناس من يختار ركوب الباخرة، على ركوب الطائرة، لأن الخطر فيها أقل من الطائرة، ومن سقط من سفينة يمكنه أن يسبح، أما من سقط من طائرة فالأمر يختلف، وأما عن أرواح الشهداء في الجنة فقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم عنكم قال فأنزل الله ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله” إلى آخر الآية” رواه أبو داود.
وهذه الآية نزلت في شهداء أحد، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهداء “أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا” رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة” رواه البخاري.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه” رواه الترمذي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشيا” رواه أحمد، وقد يتساءل المرء كيف تكون روح المؤمن فى حوصلة الطير، فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟ والجواب بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر، قال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالي.
أعاضهم عنها في البرزخ أبدانا خيرا منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير.