أحسن لأهل الإحسان

بقلم/ الزهرة العناق
في دروب الحياة المتشابكة، نمنح فرصا نادرة لنضيء لغيرنا سبيلا كاد أن يخفت، نمسح دمعة كادت تغرق وجه الأمل، أو نمد يدا ترتجف فوق جسر الانهيار. وهنا، لا يكون الإحسان مجرد عمل عابر، بل سر من أسرار النبل، وميثاقا روحيا لا يبرم مع كل عابر سبيل، بل مع من يدرك عمق النبل ويتقن فن الوفاء.
لا تسرف في بذل ذاتك لمن لا يحفظ الود، ولا تفرط في العطاء حيث تنبت نكرانا. الإحسان لا يهدى لكل ساكن، بل يودع في القلوب الطاهرة التي تعرف للفضل ملامحه، و تطيل النظر في تفاصيله، وتحتفظ له بمحراب داخل الذاكرة.
لا تستعجل في عطائك، فكرم النفس ليس هشيما مبعثرا.
الحكيم لا يلقي بجواهره في مستنقع، ولا يهدي شموعه لريح عاتية، بل يختار أرضا خصبة، قلوبا تتقن الإنصات للصنيع وتقدر العطاء لا كواجب، بل كجمال يحفظ ويثمن. الإحسان حين يهدى لمن يستحق، يتحول إلى إرث معنوي يتوارثه الوجدان.
لا تنتظر الشكر، لكن تهيأ لنكران لا يستوطنك.
لا تجعل من ردود الأفعال بوصلتك، فليس كل من يحسن إليه يجيد العرفان. ومع ذلك، لا تحزن؛ لأنك تحسن لذاتك قبل أن تحسن لغيرك. فإن وجدت من يحفظ لك الجميل، و يذكرك في ظهر الغيب، ويبتسم حين تمر في باله ذكراك، فقد أنعم الله عليك بمنزلة لا تشترى.
وصن كرامتك كما تصون نبل عطائك.
لا تجعل من إحسانك سلما يصعد عليه غيرك ليعلو عليك، ولا تتركه ذريعة لإذلالك حين تتغير الظروف. الإحسان النبيل يمارس برفعة، ويحفظ بشرف، فإن لم يقابل بما يليق به، فارفع يدك عنه دون صخب، ودعه في عهدة الأيام.
أحسن، لكن لا تفرط. اختر قلوبا تشبه سمو عطائك، و أرواحا تعرف للفضل وزنه. وكن على يقين أن من يجيد حفظ المعروف، هو وحده من يستحق أن تكتب له سطور من نور في دفتر إحسانك.