الزهرة العناق تكتب : بين الحياء و الخجل مسافة

 

في زاوية من زوايا النفس، تقف كلمتان تنتميان إلى عالم العاطفة والسلوك، نراهم كأختين من دم واحد، لكن الحقيقة أن بينهما مسافة شاسعة، كالمسافة بين نور يقودنا إلى وجهتنا الصحيحة ، وظل يحجب النور عن العيون.

الحياء هو ذاك النور اللطيف الذي يسكن الأرواح الرفيعة، يزهر في دواخلهم كزهر اللوز في آذار، لا يرى إلا حين تصفو النفس من الضجيج، ويهمس فيهم بمكارم الأخلاق، لا يفرض حضوره، بل يتهادى في السلوك، وفي الصوت، وفي نظرة العين المتفادية للفظاظة.

الحياء ليس خوفا، بل وعي عميق بالقيمة، انحياز فطري إلى الجمال الأخلاقي، حضور مشرق يجعل صاحبه يترفع و لا يتراجع، يختار و لا يتهرب، يترفق و لا ينكسر. إنه احترام النفس واحترام الآخر، هو قبلة السماء على جبين الخلق.

أما الخجل، فهو ظل لا يثمر، إنه انكماش في الذات لا دليل له إلا التردد. الخجل ارتجاف داخلي أمام مرآة الآخرين، إنه سؤال لا إجابة له:

“ماذا لو رأوني كما أنا؟”

فتختبئ الحقيقة في زوايا التردد، و تطفأ شموع البوح خشية الانكشاف.

الخجل يطفئ نور المبادرة و يجعل المرء يعيش على هامش اللحظة، لا يشاركها و لا يصنعها، بل يراقبها من وراء جدران وهمية. ليس من الحياء في شيء، بل هو شعور يولد من انعدام الأمان و من قلق مزمن على الصورة، لا على الجوهر. الحياء يرفع من قيمة الإنسان، يرفعه فوق جراح الكلمة و بذاءة الرد.

أما الخجل فإنه يقزم القدرة، يقيده بأسلاك من الظن والخذلان الذاتي. شتان بين من يحيا بوجه مرفوع تزينه سماء الحياء، وبين من يحيا مطأطئ الرأس بسلاسل الخجل.

الأول نبت كريما في حديقة الفضيلة، والثاني ظل يابسا في صحراء الرهبة. الحياء شجاعة نبيلة، أما الخجل فهو انسحاب من مسرح الحياة بلا رجعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى