القُرى السياحيّة .. بقلم/ د. عبد الجليل الشويخ قائد ومستكشف وإعلامي سياحي

سنة 2021م، أطلقت منظّمة السياحة العالميّة مبادرة ( أفضل القُرى السياحيّة ) لتعزيز التنمية المستدامة في القرى الريفيّة ودعم مجتمعاتها المحليّة والحفاظ على تراثها الثقافي والطبيعي. مبادرةٌ ساهمتْ في تسريع الاستثمار السياحيّ في هذه القرى. فهل يمكن أن تتحوّل قُرَانا في البحرين والخليج والوطن العربي إلى قرى سياحيّة ؟.

الكثير من القرى بالوطن العربي قد تحوّلت بالفعل إلى قرى سياحيّة قبل 2021م، كالمدينة الزرقاء وقرية هود بتونس وحيّ العقر التراثي بنزوى سلطنة عُمان والقرى النوبيّة بأسوان مصر. كما فازت بعض القرى العربيّة في مسابقة ( أفضل القُرى السياحيّة ) كقرية دهشور بمصر وقرية السلع بالأردن ودوما بلبنان وقرية طبب بالمملكة السعودية. وهناك الكثير من القرى البحرينيّة التي تمتلك مقوّمات تمكّن من تحويلها إلى قرى سياحيّة، فقريةٌ كباربار أو عالي أو الجسرة أو سماهيج أو قلالي أو سترة أو غيرها، لِمَ لا تتحوّل إلى قرية سياحيّة ؟!.

فكرة ( القرية السياحيّة ) ليست بالفكرة المستحيلة، تحتاج فقط إلى إرادةٍ مجتمعيّةٍ قويّةٍ وتعاونٍ وقَبولٍ لها. ليس صعبًا أن يتمّ تحويل معلم تاريخي كمعبد باربار أو تلال عالي إلى معلم سياحيّ يحوي متحف لعرض تاريخ المعلم والقرية إضافة إلى صالة عرض سينمائي يقدّم أفلامًا عن تاريخ القرية وتاريخها وعاداتها وصالة لعرض منتجات الأسر المنتجة بهذه القرية. ليس صعبًا أن يُستغلّ البحر لإقامة ألعاب وجولات بحريّة ترفيهية وإنشاء المطاعم العائمة فيه. كذلك، يمكن استغلال إحدى مزارع القرية لتكون منتزهًا يضمّ مطعمًا ومقهى وألعابًا ترفيهيّة للأطفال وحديقة حيوان صغيرة. من الممكن أيضًا تحويل أحد الأحياء القديمة بالقرية إلى حيّ فنيّ من خلال تزيين جدرانه باللوحات الفنيّة من الرسومات والمخطوطات مضافًا إليها مجموعة من الأعمال اليدويّة الفنيّة موزّعة في أزقّته المرصوفة بالحجارة، وتحويل حيّ آخر إلى حيّ ملوّن يحوي مبانٍ زاهيةٍ بألوانٍ ثابتة، مع العمل على بنيته التحتيّة ليكون حيًّا جاذبًا للسياحة، وغيرها من الأفكار والفعاليّات. تصوّروا أن يتمّ تنفيذ كل هذه الأفكار في قرية واحدة بعد استغلال إحدى ساحاتها الكبيرة لموقف للحافلات والسيارات، وتنظيم جولات سياحيّة للسيّاح والأفواج السياحيّة من هذه الساحة إلى مختلف المعالم السياحيّة المُنشأة بالقرية مستخدمين سيارات كهربائيّة وعربات خيول صديقة للبيئة؛ ألن تتحوّل هذه القرية إلى قرية سياحيّة ؟!.

قد يتخوّف البعض من أنّ فكرة القرية السياحيّة قد يتسبّب في انحلالٍ أخلاقيّ لأبناء القرية وبناتها وأطفالها، إلّا أنّ هذا لم يحدث البتّة في قرى عربيّة تحوّلت منذ زمن إلى قرى سياحيّة. وأتذكّر أنّي أقمتُ في حيّ العقر بنزوى سلطنة عُمان ثلاثة أيّام كانت مكتظّة بالسيّاح العرب والأجانب، إلّا أنّي لم ألاحظ أيّ مخالفة للتعليمات والإرشادات والقوانين التي كانت منشورة على لوحات في مختلف أنحاء الحيّ، وما لفتَ انتباهي أنّ التزام الأجانب أكثر من العرب وكانت النساء الأجنبيّات ملتزمات بلبسٍ محتشمٍ كما أنّ بعضهنّ كُنّ واضعات أوشحة على رؤوسهنّ. كما يمكن توظيف حرّاس وحارسات أمن لمتابعة الالتزام بالقوانين والآداب العامّة وضمن السلامة الأمنيّة. وقد يرى البعض أنّ مثل هذا المشروع سيحتاج إلى ميزانيّة كبيرة وهذا صحيح، لكنّ تأسيس شركة مساهمة من أهالي القرية وبعض المستثمرين الموثوقين سيكون حلّا لهذا التحدّي بحيث تكون هذه الشركة هي المستثمرة والمشغلّة للمشروع والمستفيدة منه. لكم أن تتخيّلوا كم فرصة وظيفيّة ستُخلق لأهالي القرية وأبنائها وبناتها، فهناك المرشدين السياحيين وحرّاس الأمن والعاملين بالألعاب الترفيهية والمطاعم والمقاهي ومختلف المعالم والأنشطة والسائقين وأصحاب المطاعم والمقاهي والبقّالات والمحال التجاريّة بالقرية. ألن يعمل هذا المشروع على تنمية الوضع الاقتصادي للقرية ومجتمعاتها ؟!.

أكرّر، أنّ مشروع القرية السياحيّة لا يحتاج إلّا إلى إرادة قويّة من المجتمعات المحليّة للقرى وتكاتفٍ وتعاونٍ للتنفيذ. ونصيحتي ألّا ننتظر أن تتبنّى الحكومات مثل هذه المشاريع فللحكومات أولويّاتها حسب أوضاعها الاقتصاديّة. أرى أنّه صار لِزامًا أن تبدأ هذه المجتمعات المحليّة بالعمل على تطوير اقتصاداتها بنفسها والبدء في العمل على وضع الخطط لمثل هذا المشروع مع مراعاة المعايير المطلوبة للسياحة المستدامة ومِنْ ثَمَّ البدء في التنفيذ على مراحل، بعد أخذ الموافقات الرسميّة من الجهات الحكوميّة المعنيّة والتي عليها تسهيل وتيسير الأمور لمثل هذه المشاريع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى