تقديم محبة النفس على محبة النبي .. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد أعد الله عز وجل الثواب الجزيل لمحبة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، فقيل أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم متي الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وماذا أعددت لها ” قال حب الله ورسوله، قال ” أنت مع من أحببت ” فقال أنس بن مالك فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء ما فرحوا به، فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نستطيع أن نعمل كعمله فإذا كنا معه فحسبنا، فهذا الجذع يحن إليه، فحنّ الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار، حتى تصدع وإنشق، حتى جاء.
فوضع صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال ” إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة ” فأمر به فدفن تحت المنبر، ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبته، وقد ورد الأمر بها في القرآن، حيث قال الله تعالى ” قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ” وموضع الشاهد ما في الآية من الوعيد، لمن كانت محبته لشيء، أكثر من محبته لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، في كلمتين هما أولا قوله تعالي ” فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ” والتربص هنا للعقوبة، ولا تكون العقوبة إلا لترك واجب.
وثانيا قوله ” والله لا يهدي القوم الفاسقين” فقد وصفهم بالفسق، وذلك لا يكون إلا بفعل كبيرة فما فوقها، من كفر وشرك، لا في صغيرة، فمن قدم شيئا من المحبوبات على محبة النبي صلى الله عليه وسلم فهو فاسق، متربص ببلية تنزل عليه، وقد إقترنت محبته صلى الله عليه وسلم بمحبة الله تعالى، وذلك يفيد التعظيم، كإقتران طاعته بطاعة الله تعالى، وقيل أنه كان النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم آخذا بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له عمر ” يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي الآن يا عمر” رواه البخاري، فالنفي المؤكد بالقسم يدل على وجوب تقديم محبته عليه الصلاة والسلام على النفس، فأمره بتأخير محبة النفس.
وتقديم هذه المحبة النبوية عليها، مع كون محبة النفس جبلة في الإنسان، يقدمها على كل شيء، ولا يلام على ذلك في أصل الأمر، إلا إذا تجاوز بها إلا محظور دليل وجوب، لا إستحباب، إذ لا يؤمر الإنسان بترك فطرة فطر عليها، وليست مذمومة في أصلها، إلا إذا قادته إلا محظور، وتقديم محبة النفس على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، تقود إلى فعل المحظورات، كما هو مجرب، فلذا وجب التقديم، وكما أن هنا أمر ثاني وهو أن النفس هالكة، لولا فضل الله تعالى على الناس بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو سبب نجاتها، فمحبته أحق بالتقديم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله أن يبارك لنا في ديننا ويثبتنا عليه، ويكرمنا برؤية رسولنا الكريم ونيل شفاعته يوم القيامة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.