مراقبة الله تعالى في التعامل مع المخالف .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد
إن من المهمات في الشريغة الإسلامية هو الحلم والصفح وقول الحُسن وإختيار رقيق اللفظ وليّن العبارات حيث قال تعالي في سورة البقرة “وقولوا للناس حسنا” وحيث قال تعالي في سورة الإسراء ” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم” وقال ابن الجوزي رحمه الله “إذا خرجت من فيّ عدوك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها، فنسل الخصام مذموم” وكما أن من المهمات هو تذكر زوال الدنيا وأن كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وبحمده وإن الأجل أقرب مما نتصور، وكما أن من المهمات هو الهروب الصادق واللجوء والإعتصام من موجبات غضب الله تعالى كالشرك والبدع والذنوب.
كما قال ابن القيم “فهذا منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه فاعزلوا عن هذا طريق هذا السيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح” وكما أن من المهمات هو الصبر على طريق الهدى والحق وإن كنت وحدك فإبراهيم الخليل عليه السلام كان أمة وحدة وإذا عظم المطلوب قل المساعد واصبر هنيهة فعن قريب تنقضي فمن استطال السفر ضعف مسيره، وكما أن من المهمات رد الخلاف إلى الله لكتابه ولرسوله لسنته، حيث قال شيخ الإسلام ” وهكذا مسائل النزاع التي تنازع فيها الأمة في الأصول والفروع، إذا لم تُردّ إلى الله والرسول لم يتبين فيها الحق بل يصير فيها المتنازعون على غير بيّنة من أمرهم، فإن رحمهم الله أقرّ بعضهم بعضا ولم يبغ بعضهم على بعض كما كان الصحابة في خلافة عمر وعثمان يتنازعون في بعض مسائل الإجتهاد فيقرّ بعضهم بعضا ولا يعتدي عليه وإن لم يُرحموا وقع بينهم الإختلاف المذموم.
فبغى بعضهم على بعض إما بالقول مثل تكفيره وتفسيقه وإما بالفعل مثل حبسه وضربه وقتله وهذه حال أهل البدع و الظلم” وكما أن من المهمات هو مراقبة الله تعالى في التعامل مع المخالف مهما كان حاله، حيث قال شيخ الإسلام “ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه حيث قال تعالي في سورة النحل “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” وقال تعالى في سورة آل عمران “وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط” وكما أن من المهمات هو تعلّم أصول المدارسة والحوار والمناظرة، ومن ذلك هو حسن الإستماع ومن لم يحسن الإستماع لم يحسن القول والإيجاز، وحسن الإيجاز أن لا تبطئ ولا تخطئ وترك التكرار إلا لحاجة، فتكراره إلى أن يفهمه من يفهمه يكون قد مله من فهمه وخير الكلام ما لم يحتج بعده لكلام وخير الكلام ما قلّ ودلّ ولم يطل فيمل ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
ويكفي متين القول عن حواشيه ومنها عدم الإغترار بكثرة الحجج إن لم يكن لها حقيقة، فقيل أنه تكلم رجل عند معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فهذر، أي خلط وتكلم بما لا ينبغي ثم قال أأسكت يا أمير المؤمنين؟ فقال وهل تكلمت؟ وقال أحدهم رأيت عورات الناس بين أرجلهم وعورة فلان بين فكيه، وكما منها ترك ما يموت بتركه من الباطل، حيث قال حاتم الطائي إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه، وبعض الرد وتكراره يحيي الشبه في النفوس التي ربما همدت ونسيت بترك طرقها، ومنها هو الأناة والهدوء حتى ينتهي مقال أخيك سواء شفاها أو كتابة، فضيق العطن والعجلة ليست من سيما أهل العلم وتكلّم بعلم أو اسكت بحلم، ومنها ترك الظن الباطل وهو العريّ عن برهانه، كما قيل ثبت العرش ثم انقش، فاللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.