بين المبدع وجمهوره… من يُطفئ شمعة الآخر؟

بقلم: إيمان الحريري

في عالم الإبداع، لا يكفي أن تملك الموهبة، ولا أن تصل إلى قمة التميّز في مجالك، إن لم تجد من يُصغي إليك، ويشعر بك، ويتفاعل مع ما تقدّمه. فالمبدع، مهما بلغ من براعة، لا يعيش في فراغ… بل يتنفّس من خلال جمهوره.

أصعب ما يمكن أن يحدث لأي مبدع هو أن ينفصل عن المجتمع. قد تكون أبرز رسّام، أو أعظم موسيقي، لكنك تُغرّد، ولن يسمعك أحد. تُلقي النكتة، ولا يضحك أحد. تكتب موسيقى، ولا يُنصت لها أحد.

تشتعل نارك كما الشمعة، لكن لا أحد يلحظ وهجك، ولا يهتم بك حتى تحترق موهبتك بصمت وتتلاشى.

أما إذا سعيتَ دومًا إلى الالتقاء بالناس في نقطةٍ إنسانيةٍ مشتركة، تشعر بهم، وتفهم ما يُضحكهم، وما يُحزنهم، فعندها فقط تشرق موهبتك، وتنتشر، ويضيء نجمك في سماء الإبداع دون أن ينطفئ.

قليلون فقط هم من أدركوا أهمية متابعة نبض الجماهير، والتفاعل معه بذكاء وبصيرة. ولذلك، استطاعوا الحفاظ على نجاحهم عبر سنواتٍ بل عقود، فخلّدهم الناس، وظلّوا في القلوب حتى بعد الرحيل.

يحضرني الكثير من الأسماء التي حفرت مكانها في قلوب الجماهير ولم تفارقهم أبدًا، حتى بعد مرور أعوام عديدة على ظهورهم. منها المبدع نجيب الريحاني، كوكب الشرق أم كلثوم، مطرب الإحساس الصادق عبد الحليم حافظ، كاتب الأعمال المخابراتية التلفزيونية اللامع صالح مرسي، مايسترو السينما الواقعية صلاح أبو سيف، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ملك العود فريد الأطرش، ملك المونولوج شكوكو، وغيرهم الكثيرون الذين ذابوا في نسيج المجتمع المصري، حتى وإن كان بعضهم لا يحمل جنسيتها، فنبض قلوبهم كان ينبض بنبض الجماهير، فنتجت عن ذلك سيمفونية إبداعية خارقة للزمن وصالحة لكل العصور.

إيمان الحريري
كاتبة ومحاضرة في مجالات الصوت والأداء الإعلامي، ومؤسِّسة “Starvoice” لتدريب الموهوبين في التعليق الصوتي، والبودكاست، والإلقاء. تهتم بالعلاقة بين المبدع وجمهوره، وبأثر الكلمة والصوت في تشكيل الوعي الثقافي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى