نادية هارون تكتب: هجمة رباعية الأبعاد لإفساد المجتمع

“إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ”  في هذه الآية الكريمة قصر الله خشيته على العلماء، وخصَّ علماء الدين والعقيدة، الذين كلما ازداد علمهم بعظمة الله عز وجل بإحاطته وقدرته وعظمته وسلطانه، زادت خشيتهم، فهم أدلة على الخير، مرشدين إلى طريق الحق، وليس كل عالم دين يخشى الله بل شرط أن يكون تقياً، يأتمر بأوامر الله عز وجل، منتهيًا عن نواهيه، حافظاً على حدوده، منتهجاً مبدأ لا إفراط ولا تفريط، نائياً بنفسه عن الشُبهات، لا مسيَّساً ولا تنظيمياً.

في الآونة الأخيرة نشهد حالة من التجرؤ على العلم والعلماء، والتقليل من شأنهم بين الناس والتشكيك في علمهم، بل والتشكيك في العقيدة، فلا يعودوا مرجعاً للعوام من الناس، وما يترتب على ذلك من الفساد والضلال، وهنا يجب أن أشير إلى أن هذه الهجمة رباعية الأبعاد مكوناتها العلماء، والإعلام، ثم الجراد المنتشر على السوشيال ميديا، أما البعد الرابع فهو مؤسسة الأزهر الشريف، أما العلماء والمقصود هنا هم علماء الفقه والعقيدة الوسطيين غير المسيسن أو التنظيميين، فبعضهم يثير قضايا خلافية فيخرج علينا بفتوى حول أمر ما فيرد عليه آخر بفتوى مناهضة، و البعض الآخر يقع في سقطات وزلَّات لا يدركها إلا بعد أن يواجه بإنتقادات فيبدأ ضرب آراء العلماء بعضهم ببعض وكلٌ يحاول أن ينتصر لرأيه، وكأن هذا العالِم يُسَوِق نفسه بما يتناسب مع موجة التسويق التجاري التي نشهدها على كافة الأصعدة، خاصة هؤلاء العلماء الذين ثبَّتوا أماكنهم في تلك البرامج، وكأنهم يخشون أن يرحلوا ويحل غيرهم.

 أما الإعلام فنلاحظ تعمُّد، طرح القضايا الدينية الخلافية، والتي تكون دافعا للفتنة وإثارة المشاكل أو تأجيج حالة من التوتر، بهدف جذب جمهور كبير للمتابعة، والترويج لها بنشر محتوى الحلقة على السوشيال ميديا، كما أن تلك البرامج تبتعد عن استضافة المتخصصين العقلانيين، ذوى الخبرة والاختصاص فى الشأن الدينى، ويتعمد مقدموا البرامج إحراج رجال الدين والفكر بأسئلة شائكة سواء ما يعدّه طاقم الإعداد بشكل مباشر أو من خلال مداخلات لمتابعين يتفق معهم سلفاً لإحراج العلماء وإظهار أنهم لم يقدروا تلك القضايا قدرها فيلتبس الأمر على عوام الناس.

ولمِّا كان الإعلام الهدف منه التنوير والتثقيف و-من مسمَّاه- إعلام المجتمع بالفضيلة والقيم وصحيح العقيدة، فكان يجب أن يتبارى في هذه الآونه إلى القيام بالهدف المنوط به، إلّا أنه تجاوز في مضمونه وأصبح إعلاماً تجارياً ربحياً ساعياً الى جذب معلنين، وكنت أتوقع أن الشركة المتحدة بصفتها مالكة للعدد الأكبر من الوسائل الإعلامية تقوم بوضع إستراتيجية للنهوض بالإعلام وإعادته إلى سيرته الأولى فيتبَعها المتبقي من وسائل الإعلام الخاصة، إلَّا أنها أخفقت وأهدرت القيم وساهمت بتشتيت فكر العوام ليس في الدين فقط بل في كل مناحي الحياة بما قدمته وتقدمه من برامج وغيرها فإتبعها الغاوون.

وهنا يأتي دور السوشيال ميديا ويجب أن نعترف أن جماعة الإخوان المسلمين تترصد للأزهر الشريف ورجاله وخاصة شيخه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، على خلفية ما حدث في عام  2012 ، وقيام المجلس العسكري الحاكم آنذاك، وبناء على طلب الأزهر، بإصدار المرسوم بقانون رقم 13 بتعديل قانون الأزهر رقم 103 لسنة 1961. وقبل أن يؤدي محمد مرسي اليمين كرئيساً للبلاد، والذي بموجبه يتمتع شيخ الأزهر بحصانة من عزله من منصبه وجعله منتخباً من هيئة كبار العلماء وليس معيناً من الرئيس لأول مرة في تاريخ مصر، وقد جاء المرسوم، مخيباً لآمال الإخوان وأحبط مخططهم للتخلص من الطيب والتمكين من مؤسسة الأزهر، يلتقط الإخوان تلك الزلات لهؤلاء العلماء أو الفتاوى الغريبة على المجتمع بينما في أغلبها هي من صحيح الدين ويبدأوا في الطعن عليها تارة بأنهم رجال السلطة وأبواقها، وتارة بأنهم متشددين لا يعملوا على التيسير على الناس ولم يستطيعوا مواكبة التقدم والانفتاح الحضاري، وتارة بأنهم يعادون ما هو مألوف لدى الناس، وتارة أخرى يكفرونهم بأنهم دعاة تغريب وبُعد عن الدين، هنا وبضغطة زرٍّ، يبدأ رواد السوشيال ميديا الترويج للفتن دون تروي أو تدقيق.
أما دور الأزهر الشريف فقد كان للإمام الطيب في مايو 2011 تصريح خطير بأن نصف الإخوان أزهريون، وهذا يعني أنهم تغلغلوا في مفاصل وأقسام الأزهر وقاعات المحاضرات وأصبحوا مفرخة للتكفيريين والإرهابيين، وكان يجب وقبل أن يتحدثوا عن تجديد الخطاب الديني كان عليهم تنقية الأزهر من الإخوان، وأن تكون هناك إصلاحات هيكلية، نعم لدينا الإمام الجليل الشيخ الطيب الذي يقف بالمرصاد لمحاولات سحب الإخوان البساط من تحت قدمية وأخونة الأزهر، لكن دون إصلاحات داخلية حقيقية ونبذ دعاة الفكر التكفيري وإخراجهم من الأزهر ستظل الفتاوى المثيرة للفتن.

في النهاية نقول أن الغرب يلتقط كل هذا التشتت والترشذُم الديني والعقائدي ويستخدمونه في زعزعة العقيدة في نفوس الشعوب، وهدم القيم والطعن في الثوابت، وتغريب المجتمعات مما يسهِّل عليهم إسقاطها، وعلى الإعلام أن يقدم الآراء التي تحضّ على الفضيلة وإحترام القيم والعادات، والبعد عن القضايا الخلافية خاصة في هذا التوقيت، وعلى رواد السوشيال ميديا الذين يعيدوا نشر الفتن دون مراجعتها والتعليق بالسب والقذف وكأنهم جميعا علماء وفقهاء، وعلى علم بأنوهذا من الدين وهذا ليس من الدين، بينما بضغطة زرّ أخرى يستطيعوا التأكد من الفتوى لأن الأغلب منها هو من صحيح الدين لكنه غريب على عاداتنا، وأخيراً علينا جميعا نبذ الفتن والتمسك بكتاب الله فمن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فإذا كان الجن هو من قال ” إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ” فما بال الإنسان لا يسعى للهدى والرُشد ويسعى لترويج الفتن؟!

حمى الله مصر وشعبها وجيشها وقادتها من أعداء الداخل وأعداء الخارج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى