وسام الصبر على جبين أرملة .. بقلم : محمد ابراهيم الشقيفي

العواصف الفجائية أقدار حتمية وإن كانت تتشكل على هيئة تستنسخ وجود الأشباح بين رحايا الظلمات المرعبة ، ذات الظلال الداكنة فى مخيمات ضبابية مخيفة ، لكن استوجب الحال الإمساك بفنون القتال واتخاذ قرار النزال بكل أدوات المباغتة لأجل بقاء الكرامة شامخة تبارز دون أن يسقط حلم البقاء من على جواد عقل المحارب .
قد تفاجئنا الدنيا بنوبة فراق قاسية وجراح فى العمق وندبات تألمنا فى صمت وصفعات حزن متتالية ، فلا نستطيع حقا أن نلوذ بمأمن رغم أننا نتوجع على مضض ، تلتصق بنا أمور عضال فى مجملها تفسير غير متزن ، ولو صادف و انسكب حريق بتار فى مصباح الإيمان انقطعت بلا رجوع حبال غيث الوصال عن الروح .
لكن هناك على متن الطائرة التي تحلق فوق الغيوم ، سيدة من بين آلاف النساء اللواتي يعانين من فقاعات الهواء الساخن ، أو ربة بيت تشد على ازرها ، ترابط من أجل تعزيز موقعها فى عيون مجتمع لا يرحم الأرامل فى زحام خانق ، لقد أبصرت وجهتها عن بعض ورأيت تلك السيدة وهى تبكي فى مرأتها رافضة كل بدائل الإنتصار ، تواجه المصرية المتوجة بشرف المحاولة أبشع لحظات الانكسار الممزوجة بدموع الإنهيار، لحظة فراق رجل قد احتواها بمشاعر الوفاء النادرة . هيا نقترب إلى عقر دار المرأة القاهرية ، ونحلق بخفة غير معهودة ونحن منفردين بالحقائق فى فضاء المرأة الفاضلة كريمة المنشأ السيدة/ نفسية أحمد امين خليل ، القاطنة مع تجربتها المليئة بالعطاء تحت سقف إحدى البيوت ذات العلاقات العامرة بالوفاء وهى تنير مثل النجم الفضي مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية .
بكل ما تحمله الكلمة من معنى الوطنية هى زوجه البطل ، عاشت رحلة مليئة بالحب والعطاء مع رجل من أبناء القوات المسلحة المصرية ، والتي خطفه الموت من الحياة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، داخل ثكنة الجيش وهو يرتدي زي العزة والكرامة للجيش المصري ، نعم ذاقت حلاوة الاحتواء الأسري مع زوجها العميد أركان حرب/ تامر عبدالشكور ، الذي علمها أولى دروس العسكرية المصرية ألا وهي الصبر حتي ينال المرء مراده وهو يدرك قيمة الحياة ، وإن كانت تفصيل بيوت القادة وتيرتها كما يظنها البعض روتينية إلى أبعد الحدود ، إلا أن البيت التي تحمل جدرانه صوراً لجندي مقاتل يحمي الحدود البحرية مع الضفادع البشرية و النمور البرية ، عاشت فى بيت نقي لا يعرف اللون الرمادي ، لقد صارت السيدة الفاضلة التي تحمل وسام الصبر على جبين أرملة هى أم وأب فى توقيت حرج لثلاثة أطفال فقد على جبهة الدنيا ، راية الأمان ، لست بصدد سرد يشبه القصص للتسلية فى لحظات الفراغ ، لكن الأمر أعمق من ذلك فكثير من النساء تعول ولو اختلفت الروايات المنقولة ، لكن بعض القيم تستخلص من تجارب الآخرين، أجزم أننا نتعلم من رحلة هذه السيدة كيف تسدد ركلات الترجيح في شباك معقدة بالألم ، خاصةً مع شدة إصرارها القوي على استكمال مسيرة الأب القائد والتي مازالت تزين عطور أنفاسه أركان البيت ذات الجدار الأخضر .
نحن ندرك النجوم رغم ابتعادها عن كوكب الأرض ، فلا ضوء يستعاض به عن نور البدر ، والمرأة التي نسرد بأسلوب سلس بعضا من زوايا حياتها قد أضحت وحيدة بين يوم وليلة ،لم تستسلم مطلقاً وجلست شريدة تطلب المساعدة ، بل مكثت ترتدي فستان الحكمة بوقاره الأسود ، احتملت فاجعة الفراق ، احتضنت الأم المدبرة الحاصلة على بكالوريوس الخدمة الإجتماعية طلاب العلم بكل حلم وصبر على مشقة الأيام الصعاب .
إن الظروف المحيطة بجو من الرعب والتي تعيشها الأسر المصرية بشأن مرحلة الثانوية العامة ، والتي جاءت متزامنة مع رحيل الأب عن دنيانا ، لم تكن عائقا أمام حركة الأبناء والتي تبلورت في استكمال مسيرة الأب ،
لم تكن السيدة/ نفسية خليل والتي تشغل منصب مدير عام المدن الجامعية للطالبات بجامعة الأزهر الشريف ، مجرد امرأة أبصرت الحقيقة فحسب ، لكنها وجدت ضالتها فى تربية جيل كامل على نهج تحمل المسؤولية ،
ولقد شهدت لها جامعة الأزهر الشريف بحسن إدارتها للمدن الجامعية وفضل رعايتها لطالبات جامعة الأزهر الشريف ، كرمت تحت رعاية رئيس الجامعة وذلك بعد استضافة العالمين فى قطاع المدن الجامعية لجهودها المتصل مع فريق محترف في فن السليم الإدارة وخدمة الطلاب.
لم تكن كلمة أرملة تمثل خطراً عليها ولا عائقا يثقل كاهل عاتقها ، بل حرصت أن تكون الأسرة بأكملها تحمل وقار الدين الاسلامي الحنيف فى صدرها و تتقن فن التعامل بمبادئ الأخلاق والقيم ،
إن الصبر كان شاهداً على إنجازها فرأت كيف امتدت سيرة زوجها في وجه ابنها الأكبر / ضابط القوات البحرية ، هدأت المرأة قليلاً والتقطت بعض أنفاسها من فوق سراب الماضي ، والتفتت إلى مجال الدعوة الإسلامية بعد حلم قد راودها ووجدت فيه القدرة على العطاء ، كبحت جماح المهر الشارد وأصبحت واعظة متطوعة بوزارة الأوقاف المصرية بعد أن نالت شرف الحصول على شهادة المركز الثقافي الإسلامي وبعد الالتحاق بمعهد الدعاه ، لتكن بذلك أم وأب ، و داعية للحق داعمة لمن يحتاج فى مفترق الطرق إلى دليل النصح .إن الطموح ليس مجرد حفنة كلمات تلتصق بعفوية الحلم ،بل هو سعي ووعي وإرادة لا تلين ،
وهذا واقع نراه تارة فى تجارتها الرابحة مع اولادها وخاصة بعد ارتداء ابنها الثاني ثوب ملائكة الرحمة المزدوج بكتافات عليها نجوم تلمع تقف عليها صقور السلام ، أصبح طبياً بعد أن تخرج من كلية طب القوات المسلحة وحقق الفني حلم والده ، وحتى يكون العالم منصف بالقدر الكافي لمن تعول ، فلو لا مثابرة هذه المرأة على لغط الضباب ما نجحت فى طريق الأخذ بالاسباب .