كنت في الرابعة عشرة من عمري و قلبي معلق بأحلام الدراسة و العيش بسلام في الثاني من آب عام 2024 كنا نحتفل بعيد “أربعينية الصيف” و كان الجو مليئا بالفرح . نلعب و نضحك و لا نعرف ما تخبئه لنا الساعات القادمة .
في تلك الليلة ، صعدتُ كعادتي إلى سطح بيتنا الطيني فالكهرباء مقطوعة و الهواء في الداخل لا يُحتمل كنت أستلقي هناك ، أراقب حركة النجوم حتى يغلبني النعاس… لكن تلك الليلة كانت مختلفة .
رأيت وميضا في السماء يشبه نارا تسقط من الأعلى و تبعه صوت رصاص مرعب ظننتها نجمة انفجرت ، و لم أكن أعلم أن الرعب قد بدأ ..
استمرت أصوات إطلاق النار طوال الليل . لم نغفُ لحظة و مع شروق الشمس امتلأ الجو بالصراخ و الناس تركض في كل اتجاه.
سمعنا من يقول : “اركضوا!” و آخرون: “اركبوا السيارات!” ثم صرخ أبي : ( أسرعوا! الجماعات المسلحة دخلت القرية! إنهم يحرقون البيوت، يقتلون الرجال و يسبون النساء… هيا بنا قبل أن يفوت الأوان
ركضنا بلا وجهة … حفاة، خائفين، بعضنا لم يحمل شيئا . الطريق كان مليئا بالبكاء و أصوات الرصاص تطاردنا … كنا نبحث عن الحياة وسط جحيم لا ينتهي .
توجهنا نحو الجبل كان ملجأنا الوحيد لكنه لم يكن رحيما وجدنا بئرًا صغيرا للماء ، لكنه لم يكن كافيا لنا جميعا. نمنا على الصخور تحت حر الشمس و برد الليل. نغفو بأعين مفتوحة، والخوف لا يغادر قلوبنا .
بقينا هناك اثني عشر يوما و في أحد الأيام صاح الناس بأن الهجوم قد عاد ركضنا بين الصخور … عائلتنا كانت كبيرة و أخي معاق لا يستطيع المشي حمله أبي على ظهره و سرنا منذ التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء الشمس كانت تحرق الأرض، و العطش يمزق الحلوق .
قالوا إن هناك بئرا آخر يبعد ساعتين . طلب مني أبي أن أذهب … ركضتُ بأقصى ما أملك ، ملأت الترمس و حين عدت… لم أجدهم أخبرني البعض أنهم اتجهوا نحو مزار شرف الدين .
جلست قرب البئر من التعب و غفوت هناك حتى الثالثة فجرا. استيقظتُ على صوت خطوات و انضممت إلى آخرين . مشينا حتى الحادية عشرة صباحا ثم أخبرني أحدهم أن عائلتي قريبة… و بعد نصف ساعة من المشي وجدتها . عانقتني أمي و كأنني عُدت من الموت .
كانت تلك الأيام ثقيلة على القلب . رأيت أطفالا يموتون عطشا ، و نساء يسقطن من التعب ، و شيوخا يفترشون الأرض بعيون باهتة لا حول لها .
اكملنا طريقنا نحو الحدود السورية وفي الليل صعدنا في شاحنة كبيرة . جلستُ في الزاوية أتنفس بصعوبة و الدموع تنزل دون أن أشعر .
بعد خمسة عشر يوما من الهروب و الموت، و صلنا إلى المخيم في سوريا رأيت الآلاف مثلنا… بوجوه متعبة و قلوب مجروحة .
لكن الغربة كانت مرة لم نحتمل البقاء ، فاستأجرنا سيارة و عدنا إلى كوردستان هناك، و ضعونا في مدرسة ابتدائية كمأوى مؤقت .
نمنا على الأرض… دون وسائد أو أغطية. لكننا كنا مع ا، وكان ذلك وحده كافيا لنظل على قيد الأمل… ولو قليلا .