فن الغش .. الكاتبة: الزهرة العناق

في زمن ارتباك القيم، تحول الغش من سلوك مرفوض إلى حرفة يدوية بل مهارة أسرية.. تدرس بصمت داخل بعض البيوت. لم يعد التلميذ يستحيي من تمرير ورقة صغيرة خلسة، بل بات يعتبرها امتدادا شرعيا لحنان والديه، إذ هما من ساعدوا وساهموا و باركوا وربما خططوا لذلك.
الغش لم يعد في الدرس فقط، بل في التربية. حين تهمس أم لابنها أن “العلامة أهم من المعلومة”، وحين يهم أب بتدبير “حلول استباقية” للامتحانات عوض أن يخلق بيئة تحفز الجد والاجتهاد، فإننا أمام تواطؤ ناعم، جريمة ترتكب بضمير مطمئن.
اعتاد بعض التلاميذ على الغش كأنهم رضعوه في الحليب، لا يرتبكون حين يسرقون معلومة، بل يشعرون بالفخر كأنهم أجادوا مهارة بارعة. تتكرر المشاهد في الامتحانات الإشهادية، حيث تستبدل الأقلام بالهاتف، و الكتاب بالصور المصغرة، والحضور الذهني بالحضور التقني.
وحين يضبط أحدهم متلبسا، لا تكون الكارثة في خطئه، بل في ردة فعل بعض أوليائه، إذ يصر بعضهم على تحميل الخطأ للمراقب، أو للظروف، أو لمن فضح الفعل، لا لمن ارتكبه. في لحظة كهذه، تغتال القيم أمام أعين الأبناء، و تدفن تحت طبقات من الأعذار الجوفاء.
أيها الآباء و الأمهات، حين تمهدون درب الغش لأطفالكم، لا تساعدونهم بل تقصون أجنحتهم، لا تضمنون لهم النجاح، بل تؤسسون لانحدار بطيء في المستوى، الغش ليس الإنقاذ من الرسوب، بل العبور الهش نحو هوة أكبر.
ربوا أبناءكم على أن الفشل بشرف، أشرف من نجاح ملوث، علموهم أن التميز لا يشتري بورقة، بل يبنى بالصبر، أن المعرفة لا تهرب في الجيوب، بل تحفر في العقول. الغش الذي يبدأ في القسم، قد ينتهي بحياة مشبوهة، وغدا حين يمارس الغش عليهم، لا تقلقوا، فقد علمتموهم الدرس.