تربية الألم و غياب الرحمة.. الكاتبة/ الزهرة العناق

في بعض البيوت، لا تسمع الضحكات، بل يتردد صدى الصراخ، و يطرق الخوف على أبواب الطفولة كل مساء. ليس العنف الذي يمارس على الأطفال دائمًا ماديا، لكنه في حالات كثيرة يكون جلدا نفسيا مستمرا، يبدأ من نظرة قاسية، و ينتهي بصفعة مهينة.

ضرب الأب لابنه ليس أنجع وسيلة للتربية، بل إعلان عجز. فحين يفقد الأب لغة الحوار، يلجأ لليد؛ لا ليصلح، بل ليفرغ ما عجز عن فهمه. يخطئ الطفل، فيرد عليه بالعقاب لا بالتوجيه، يعبر عن رأيه، فيقابل بالصمت أو التجاهل أو السخرية، ينكمش قلبه شيئا فشيئا، حتى يصبح غريبا في بيته، و غريبا عن نفسه.

التربية لا تبنى على الهيبة المزيفة، بل على الاحترام المتبادل. ولا يكون الأب قويا حين يرفع صوته أو يده، بل حين ينصت لصوت طفله الخائف، ويفهم أن وراء التصرف الخاطئ حاجة لم تشبع، أو ألما لم يفهم.

الطفل لا يحتاج أبا كاملا، بل يحتاج أبا قريبًا، حاضرا بقلبه، قبل أن يكون حاضرا بجسده. يحتاج إلى من يقول له: “أنا أفهمك”، لا إلى من يلقنه الصواب بالضرب. فكل صفعة تترك أثرا، لا على الوجه فقط، بل في زوايا الروح التي تكبر ملتوية، خائفة، ناقمة، أو منكسرة.

حين يغيب التفاهم و التفهم، يصبح البيت سجنا، و يغدو الأب مصدر قلق لا مصدر أمان. وحين يقال للطفل “اصمت”، بدل أن يسأل “ما بك؟”، تتكسر في داخله نوافذ الثقة، و يزرع بدلها الشك والخوف.

ليس كل خطأ يستدعي العقوبة، بل كل خطأ يستدعي الحوار. والطفولة ليست ميدان اختبار للقسوة، بل أرض خصبة تروى بالرحمة، وتزهر بالحب، وتهذب بالفهم لا بالجلد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى