عصر المماليك في مصر.. حينما حكم العبيد الدولة وصنعوا المجد

عصر المماليك في مصر.. حينما حكم العبيد الدولة وصنعوا المجد
بقلم: دلال ندا …
على مدى قرابة ثلاثة قرون، كانت مصر تحت حكم طبقة حاكمة غير تقليدية، لا تنتمي لعائلة ملكية ولا تتوارث السلطة بالدم، بل تتناقلها السيوف والمعارك والمكائد. إنهم المماليك، الذين حكموا مصر من عام 1250 حتى عام 1517، وأسسوا واحدة من أقوى وأغنى الدول في العالم الإسلامي في العصور الوسطى.
من عبودية إلى سلطة مطلقة
كلمة “مملوك” تعني “العبد”، وقد كان هؤلاء الحكام في بداياتهم عبيدًا أو مملوكين جُلبوا من آسيا الوسطى والقوقاز، وتربّوا على الانضباط العسكري والولاء التام للحاكم. ومع ضعف الدولة الأيوبية بعد وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، استغل المماليك الفراغ السياسي وتولوا زمام الحكم، فكانت البداية مع السلطانة شجر الدر، أول امرأة تحكم مصر الإسلامية.
المماليك والتهديدات الخارجية
لم تكن بداية الحكم المملوكي سهلة، فقد تزامنت مع أعنف التهديدات الخارجية، أبرزها الغزو المغولي الذي اجتاح الشرق، وهدد بالزحف إلى مصر. غير أن القائد المملوكي الشهير سيف الدين قطز، نجح في تحقيق نصر حاسم في معركة عين جالوت عام 1260، بمساعدة القائد الظاهر بيبرس، مما أوقف التمدد المغولي في العالم الإسلامي.
النهضة العمرانية والثقافية
في ظل حكم المماليك، تحولت القاهرة إلى واحدة من أعظم مدن العالم الإسلامي، وازدهرت فيها العمارة والفنون. بنى المماليك المساجد، المدارس، القلاع، والخانات، وما زالت العديد من هذه المعالم شاهدة على عظمتهم، مثل قلعة الجبل، مدرسة السلطان حسن، ومسجد المؤيد شيخ.
كما دعم المماليك العلماء والفقهاء، وكانت القاهرة مركزًا للعلم، يؤمها طلاب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ليتلقوا العلم في الأزهر وغيره من المدارس الكبرى.
الضعف والانهيار
ورغم القوة التي تمتع بها المماليك، إلا أن نظامهم السياسي القائم على القوة الشخصية والتحالفات العسكرية لم يكن مستقرًا. مع الوقت، تزايدت الصراعات الداخلية، وتدهورت الحالة الاقتصادية نتيجة الضرائب الثقيلة والأوبئة، حتى جاء الغزو العثماني بقيادة سليم الأول، الذي هزم آخر سلاطين المماليك، طومان باي، في معركة الريدانية عام 1517، لتدخل مصر عصرًا جديدًا تحت الحكم العثماني.
إرث لا يُنسى
ورغم أن حكمهم انتهى، بقي إرث المماليك حاضرًا بقوة في التاريخ المصري. لقد أثبتوا أن الانتماء لا يصنع المجد، بل العمل والقدرة على البناء والدفاع. وبينما يتجول الزائر اليوم في شوارع القاهرة القديمة، يجد آثار المماليك في كل زاوية، تروي حكاية عبيد صاروا ملوكًا.